الموت يغيب الكاتب والمفكر العربي الكبير محمد حسنين هيكل

بعد سبعة عقود من العطاء والإبداع في مجال الفكر والكتابة والسياسة :

 
القاهرة/ وكالات
ودعت مصر والعالمانالعربي والإسلامي الكاتب والصحفي الكبير محمد حسنين هيكل الذي فاضت روحة إلى بارئها أمس عن 92 عاما بعد ثلاثة أسابيع.
من تعرضه لأزمة حادة خضع على إثرها لعلاج مكثف في محاولة لإنقاذ حياته لكن حالته ساءت بعد ثلاثة أسابيع، بظهور مياه على الرئة رافقها فشل كلوي.
ولهيكل القاب كثيرة منها كاتب السلطة وصديق الحكام وصانع الرؤساء ومؤرخ تاريخ مصر الحديث.
واشتهر هيكل محليا وعربيا ودوليا خلال رئاسته لتحرير صحيفة الأهرام وعينه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وزيرا للإرشاد القومي عام 1970م.
ولهيكل كتب كانت من الأكثر مبيعا بينها “خريف الغضب” و”مدافع آية الله”.
وولد هيكل في العام 1923م، بقرية باسوس إحدى قرى محافظة القليوبية، لأب من جذور صعيدية، كان يعمل تاجرا للحبوب وكان يرغب في أن يكون الابن طبيبا لكن الأٌقدار اختارت له طريقا آخر وهو الصحافة ونظرا لظروفه المادية الصعبة التحق هيكل بمدرسة التجارة المتوسطة.
قرر هيكل تطوير نفسه وتحقيق رغبته في العمل بالصحافة، ولذلك واصل دراسته في القسم الأوروبي بالجامعة الأميركية، وخلالها كانت النقلة التي غيرت مجرى حياته.
واشتغل في الصحافة منذ عام 1942م، بالتحاقه بقسم الحوادث في صحيفة “الإيغيبشان جازيت”، بعد تعرفه على الصحفي الشهير حينها سكوت واطسون.
قضى هيكل أكثر من 70 عاما عاملا بالصحافة. وخلال رحلة طويلة بين الصحافة والسياسة كان صديقا مقربا لملوك ورؤساء أبرزهم في حياته المهنية عبد الناصر وبينهم الملك عبد الله أول من حكم الأردن وأحمد بن بلة أول رئيس للجزائر بعد استقلالها عام 1962م ومحمد رضا بهلوي آخر حكام إيران وآية الله الخميني زعيم الثورة الإيرانية التي أنهت حكم الشاه عام 1979م.
وعبر تلك الرحلة تولى هيكل مهام ومناصب صحفية وسياسية. وخلال عمله وزيرا للإرشاد القومي أسند إليه الإشراف على وزارة الخارجية لفترة وجيزة.
وعمل هيكل مراسلا في دول منها إيران التي كانت موضوعا لكتابه الأول “إيران فوق بركان” عام 1951م ثم كتب بالإنكليزية عن إيران كتاب “عودة آية الله” عام 1982م والذي ترجم إلى العربية بعنوان “مدافع آية الله”.
وكانت المحطة الأبرز في مسيرة هيكل الصحفية حين انتقل عام 1957م من رئاسة تحرير مجلة آخر ساعة الأسبوعية التي تصدر عن مؤسسة أخبار اليوم إلى رئاسة تحرير صحيفة الأهرام.
ومنذ العاشر من أغسطس 1957م ظل يكتب مقاله الشهير “بصراحة” في العدد الأسبوعي من الأهرام كل يوم جمعة واستمر في كتابته حتى الأول من فبراير/شباط 1974م حين ترك الأهرام بقرار من الرئيس الراحل أنور السادات وتفرغ لكتابة الكتب والمقالات وصار من أشهر الكتاب في العالم.
وحاور هيكل أغلب الرموز السياسية والثقافية والفكرية في القرن العشرين ومنهم عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين والقائد البريطاني الفيلد مارشال برنارد مونتغمري والزعيم الهندي جواهر لال نهرو وصدرت هذه المحاورات في كتابه “زيارة جديدة للتاريخ”.
وكان هيكل مستشارا لعبد الناصر حتى رحيله يوم 28 سبتمبر 1970م وأصدر عنه كتبا تدافع عن مشروعه للوحدة العربية ومنها “لمصر لا لعبد الناصر” ثم اختلف مع السادات بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
وفي سبتمبر 1981م أمر السادات باعتقال هيكل ضمن حملة شملت 1536 معارضا حزبيا وصحفيا ظلوا رهن الاعتقال إلى ما بعد اغتيال السادات بأيدي إسلاميين متشددين في السادس من أكتوبر 1981م. وكتب هيكل شهادته على عصر السادات في كتابه “خريف الغضب” الذي أغضب محبي السادات لتعرضه فيه لبشرة والدته ست البرين السمراء.
وصدرت لهيكل عشرات الكتب التي تجمع بين التوثيق والتاريخ والشهادة ومنها “بين الصحافة والسياسية” و”حرب الخليج.. أوهام القوة والنصر” و”الخليج العربي.. مكشوف” و”الإمبراطورية الأميركية” و”المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل” في ثلاثة مجلدات تتبع المسار التاريخي للمفاوضات.
وحمل المجلد الأول عنوانا فرعيا هو “الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية” والثاني “عواصف الحرب وعواصف السلام” والثالث “سلام الأوهام.. أوسلو – ما قبلها وما بعدها” حيث عارض اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل وكتب مقدمة كتاب “غزة – أريحا.. سلام أميركي” للمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد.
وسجل هيكل جوانب من تفاصيل وخلفيات الحروب العربية الإسرائيلية على ضوء الصراع الدولي في ثلاثة كتب تحت عنوان “حرب الثلاثين سنة” وحمل المجلد الأول عنوان “ملفات السويس” والثاني “1967.. سنوات الغليان” والثالث “أكتوبر 73.. السلاح والسياسة”.
وتسببت المحاضرة التي ألقاها هيكل في الجامعة الأمريكية، عام 2002م، في توتر العلاقة بين هيكل والرئيس الأسبق مبارك، حيث قال “السلطة شاخت فى مواقعها، وهناك مخطط واضح لتوريث الحكم، ومهما كانت الصورة حلوة، فلابد أن نقول كفاية”.
وحين بلغ عامه الثمانين في 2003م كتب سلسلة مقالات عنوانها “استئذان في الانصراف.. رجاء ودعاء وتقرير ختامي” ولكنه كان يكتب بين حين وآخر عن رحلة أو تجربة في صحف ومجلات منها “الكتب.. وجهات نظر” بالتوازي مع تركيز الاهتمام في برنامج “مع هيكل.. تجربة حياة” على مدى سنوات في قناة الجزيرة.
وقدم هيكل في البرنامج التلفزيوني شهادته على العصر من خلال سيرته المهنية حيث أعطى لكل مجموعة من الحلقات اسما دالا على الظرف التاريخي لها ومنها “زمان الحرب” و”أيام يوليو” عن ثورة 23 يوليو 1952 التي أنهت الحكم الملكي في مصر و”طلاسم 67″ عن حرب يونيو 1967م.
ودعم محمد حسنين هيكل، ثورتى 25 يناير، التى أطاحت بنظام مبارك، و30 يونيو التي عزلت نظام الإخوان من سدة الحكم.
وفي السنوات الأخيرة اتجه هيكل لإجراء حوارات سياسية شاملة مع فضائيات عربية ومصرية، تناول فيها بالتحليل والمعلومات قضايا كافة وأحداث الساعة، وكان آخرها حلقاته على فضائية “سي بي سي” المصرية التي كانت بعنوان “مصر إلى أين؟”، وأثارت جدلاً كبيراً.
وهيكل متزوج من هدايت تيمور منذ 1955م ولهما ثلاثة أبناء هم علي طبيب ورجلا الأعمال أحمد وحسن.

قد يعجبك ايضا