أيقظ العملاق
عبدالرحمن اللاحجي
يقول التاريخ بأنه: “لا يوجد انتصار يأتي بالمصادفة أو من قبيل التمني والتسويف بل من خلال استراتيجية حرب طويلة الأمد تعمل على تقدير الإمكانيات المتاحة وتوظفها بالشكل المناسب طوال فترة الصراع وتوائم بين الموقف السياسي والعسكري ودون ان تقع ضمن أوهام السلام أو غرور سوء تقدير الموقف وحتى تنتهي الحرب بالانتصار وتحقق أهدافها” .
إن مما ينبغى الإشارة إليه في هذا الجانب إلى أن هناك العديد من العوامل التي تعتبر الركيزة الأساسية لتلك الاستراتيجية المفتوحة وخصوصا في مجتمع كالمجتمع اليمني الغني عن التعريف بمعاركة النضالية ضد الغزاة فالتركيبة المجتمعية وطبيعة التضاريس والديموغرافيا وثقافة الإنسان اليمني ..الخ “تختلف”عن أي شعب أو مجتمع آخر ، كما ان نمط المعركة الحالية وإبعادها وصعوبة التنبؤ بنتائجها هي الأخرى تجعل من رسم استراتيجية شاملة وكاملة”عند من لا يفهمون التاريخ اليمني” أمر معقّد وصعب إن لم يكن من قبيل “المستحيل “.
كما أن الولوج إلى قلب التاريخ اليمني يتطلب دراسة متأنية لعوامل الانتصارات الأنفة مما سيجعلنا نمسك ببعض من أسبابها لتكون نواة لإيقاض ما هو نائم وحتى نتمكن من بعث الروح إليه مجدداً لابد من أن نغوص بعمق ونطرح رؤانا بكل مصداقية ويسر فعلى الرغم من الأطماع المختلفة التي شجعت البرابرة والغزاة طيلة العقود الماضية على احتلال الأرض اليمنية الخصبة (بمعادنها النفيسة، وثرواتها المكنونة، وتراثها التليد) إلا أنها لم تكن قابلة بما فيه الكفاية للسطو والتدنيس كما توهم الغزاة أو كانوا يتخيلون بل تحولت مباشرة إلى صلصال ناري غاصت في وحله كل أطماعهم وخططهم ثم اندثرت عقب ذلك جميع أحلامهم وطموحاتهم فما دوّنته الشواهد والإحداث التاريخية يؤكد بأنه: ( ما أن كانت تصل أي إمبراطورية استعمارية- توسعية إلى اليمن حتى تندثر وتتهاوى وتعود إلى نقطة البداية، وذلك في حال ثبات بقية العوامل المؤثرة الأخرى ) .!
وبالتأكيد لن نبالغ إن قلنا بأن المقاتل اليمني”كعامل أساس” استطاع بإرادته الحديدية ومقامرته البطولية وصلابته المتجذّرة دحر أعتى الإمبراطوريات الغازية وبتر أذرعها الممتدة مما أفقدها استقرارها وتوازنها حتى في تلك الحالات التي كان اليمنيون يفتقدون فيها لقيادة موحدة وجامعة كان اليمني “منفرداً” هو القائد و المخطط و صانع القرار العسكري على أقل توصيف .!
وبلاشك فإن نتائج مقاومته الشرسة تلك كانت تنعكس على مستوى المنطقة العربية والعالمية ككل بدليل مقاومته للمد المصري والتركي في أوائل وأوساط القرن العشرين وكيف انعكست تلك المقاومة الجبّارة وقضت على مشاريع الاستعباد والتشرذم في المنطقة العربية عموما كما يقول أحد قيادات القوات العثمانية التي قاتلت في اليمن: “قاتلت في جميع أنحاء العالم تقريباً وواجهت مقاتلين من جنسيات شتّى لكني لم أجد أصلب ولا أجلد ولا أفتك من المقاتل اليمني”، ويضيف: “لن نبالغ إن قلنا بأنه كان سبباً جوهرياً من أسباب سقوط منظومة الخلافة الإسلامية العثمانية “.
أن العوامل والأسباب التي أسهمت تاريخياً في دحر الغزاة كثيرة ومتشعبة فإلى جانب بطولات اليمنيين وثباتهم وصمودهم كانت هناك عوامل أخرى مساعدة استفاد منها اليمنيون في حروبهم الكثيرة “كالخبرة القتالية المتوارثة والتضاريس الطبوغرافية للأرض وريعها وعدالة القضية بالإضافة إلى أسلحته التقليدية واعتمادهم على الذات في الابتكار وحل المشكلات العالقة، وتداخل السياسات العالمية وتناقضات المصالح … لتأتي حسن الإدارة والترشيد والتخطيط الموجودة في أعلى السلّم الهرمي آخر تلك العوامل والأسباب “.
توشك إذا الحرب الأمريكية السعودية على اليمنيين دخولها (العام تقريباً) والتي هي بالطبع امتداد لتلك الحروب الاستعمارية السابقة وإن بصورة أكثر قبحاً وإجراماً بل كما يصنفها محللون بأنها فاقت في جرائمها مستوى الجرائم الدولية بما فيها تلك التي تتحدث عن إبادات جماعية وتطهيرات عرقية، وأمام تلك العنجهية والغطرسة يكون المقاتل اليمني حاضراً بقوة وفاعلية في زخم الأحداث الكونية المتعاقبة وقد امتطى جواده وسل سيفه “كما هي عادة أجداده الأبطال الذين حافظوا على تربته من الغزاة الأوائل ” وقد أقسم بأن لا يكون سبباً في تعكير أجواء الأجيال اللاحقة وأن يقاتل ببسالة حتى الرمق الأخير وهو ما يفسّر تلك الإرادة الفولاذية التي جسّدها ذلك المقاتل اليمني الجسور ذو الذراع الواحدة على أسوار الخوبة، وذاك الذي اقتحم حافي القدمين وذاك الذي يروّض دبابة أبرامز أمريكية ببندقيته الكلاشن و ….ألخ .!
إن تلك الحالة الفريدة التي تميّز المقاتل اليمني (العملاق ) عن غيره من المقاتلين بحاجة إلى “دراسة” و”تفعيل” و”اهتمام” و”رعاية” و”تنظيم” من جميع النواحي (التثقيفية، والنفسية، والمادية) وهذا بالتأكيد يستلزم القيام بالتحرّك الثقافي الجاد والمباشر داخل القبيلة اليمنية لرفد الجبهات بالمزيد من الرجال عبر تبني برامج هادفة وفاعلة أو دورات تدريبية مصغرة وتطبيق أساليب أكثر تأثيراً ووصولاً إلى نفسيات المقاتلين كالاهتمام بأسر الشهداء ومداوة الجرحى والاهتمام بأوضاعهم الأسرية والنفسية وعلى أن يصاحب ذلك توجه إعلامي حقيقي من (كتّاب وناشطين ونُخب و..ألخ ) وإذا كان اليمني قديما”كما أسلفنا” قد استطاع أن يسحق الغزاة ويدحرهم بدون توفير ما أشرنا إليه فإن تطبيق تلك الوسائل سيسهم بشكل كبير في تخفيض الوقت اللازم لسحق العدو، ويضاعف من احتمالية الانتصار، ويدفع بالمقاتل للبذل والعطاء بمعنويات أعلى وهمّة أقوى .
إن الاستراتيجية الحربية التي أشارت إليها قيادة الثورة “الحكيمة” من خلال حديث السيد / عبدالملك الحوثي عن “الخيارات الاستراتيجية في مواجهة العدوان ” كفيلة بدحر الغزاة وتلقينهم درساً مناسباُ للمستقبل ولقد أثبتت الفترة الماضية بأن الإدارة الرشيدة التي أدارت المعركة الحالية بكل رجولة واقتدار ووضّفت الإمكانات المتاحة واستخدمتها بقدرة فائقة في التوقيت والوقت المناسب وابتكرت آلاف الخطط والحيل وأنتجت وصنعت العديد من الأسلحة والمؤن خلال فترة الصراع قادرة على مواصلة الصمود والثبات وقلب نتائج المعركة إلى انتصار مؤزر ستنعكس نتائجه على مستوى المنطقة العربية والعالمية في المستقبل القريب .