أملٌ.. وسراب
لحظة يازمن
محمد المساح
أمل
يحث خطاه السائرة في الطريق، وفي الروح أمل لا ينطفئ، ورغم أن الدهر قد أخذ أغلب العمر وخبت شعلة الحياة أوهي على وشك الترمد كلياً, إلا أنه يعرف ذلك مستسلماً بطواعية واختياريه لا جبرية لمصير المكتوب.
إن الوقيد تغوص في الرماد، لكنها تشعل ذاتها في الروح جمراً متقدا، يعرف أنه الهزيع الأخير من ليل العمر، لكن هاجساً قوياً يملأه غير مرئي فتمتلئ العروق، بالدماء الحارة.
يستعذب القلب ذلك الحضور، وكلما عطف الزمن ولف أوعيته إيذاناً بالرحيل اشتد الترقب في الروح.
وما قبل المنحنى الأخير من الطريق يرمي الشوق والحنين بقوتهما على حافة القلب المتعب، فينتفض الجسد برعشة الحياة تلهف الوقيد في الجسد المتبقية اشتعالاً في الرماد.
يحتد البصر بريقاً في العيون ويلمع الوجه نضارة وقوة, يستغربها وجهه في المرآة.
إن للروح عصارتها الخاصة التي تغذي الجسد بالحيوية والاستمرار, يوقن أنها الرعشة الأخيرة ما قبل الرحيل, لكنها جذوة النار الكامنة في الروح تغذيها بالأمل وقهر المستحيل.
سراب
كان يبدو لهم قريباً.. قريباً جداً إلى حد أن الأيدي ستلمسه بعد قليل.
وأسرع المسافرون في درب الليل يحثون السير متعجلين, في صدورهم يشتعل الأمل حريقاً، يغالبون النعاس واليأس، والخوف أولاء أضعف النفوس.
لن تبقى غير خطوة أو خطوتين وتصل يقول أحدهم لتقوى الإرادة، يلفهم الليل الحالك والصمت الموجش، والترقب نقطة ضوء تلمع كضوء نجم في البعيد، تختفي حيناً وتظهر حيناً، تهبط القلوب في الضلوع, يمدون الخطوة، وحذر الارهاق يسري في العروق، الظمأ والجوع يستنزف ما بقى من طاقة ومن الأفق المظلم تبدد الشاع واختفى.
هذا ليس بضوء يا جماعة.. هذا سراب ليل حباحب طائرة.
قال أحدهم بخفوت, همدوا في أماكنهم والصوت يرن في الآذان سراب ليل, نظروا جيداً في الظلمة اختفى ذلك البصيص الذي تصورته أنفسهم المتعبة بأنه ضوء.
تساقطت الأجساد بدون جلبة أو ضجيج، أمتدت الأذرع تتحسس شيئاً ما..!
ربما.. لكن الأذرع نامت بهدوء بجانب أصحابها، وأطبق الصمت الموحش.. لم يعد هناك نفس.. غير صدى الصمت والليل.