تقريب النقد الأدبي إلى ذهن القارئ
عبدالله حمود الفقيه
كثيرة هي الكتب التي تتناول قضايا النقد الأدبي وتعرض نظرياته ومناهجه، ولكل منها طرائقه وأساليبه في التناول والعرض، فمنها ما يهتم بالسرد النظري التاريخي، ومنها ما يتجه إلى عرضها ومناقشتها وتحليلها من جوانب مختلفة، في محاولة للوصول إلى فهم أعمق لأسسها ومبادئها وطرائقها في تحليل النصوص ورؤاها النقدية وآلياتها في التحليل والنقد، ومحاولة سبر أغوارها، وتوضيح أوجه الاتفاق والاختلاف بين هذه النظرية وتلك، للخروج برؤية متكاملة عنها.
ونظراً لكون هذه النظريات النقدية الحديثة غربية المنشأ، مرتبطة برؤى الغرب وطرائق تفكيرهم، ونابعة من أسس فكرية أنتجتها الثورات التنويرية المتعددة، ولأنها – في بيئتها أساساً – مرت باختلافات وتباينات في المبادئ والأسس، نظرية وتطبيقاً، ما جعلها زئبقية يصعب الإمساك بها وتحديدها على وجه الدقة؛ يجد المتلقي العربي صعوبة كبيرة في الإحاطة بها وتحديد مفاهيمها ومصطلحاتها ورؤاها، وصار غارقاً بين كم كبير من التهويمات والتنظيرات والترجمات والمصطلحات والمفاهيم الزئبقية، والتناقضات النظرية والتطبيقية. وفي الوقت الذي تجد فيه من يزيد الطين بلة بالتعقيد والتعمية والتخبط في عرض النظريات ومناقشة القضايا والخلط بين المناهج والأسس، وعدم توضيح الفروق بين المصطلحات، والمبادئ من نظرية إلى أخرى؛ تجد من يحاول أن يسهّل ويوضح للمتلقي هذه القضايا والنظريات النقدية، ويبين الفروق والاختلافات بين النظريات والمناهج.
وكتاب “محاضرات في النقد الأدبي الحديث” للدكتور أمير فاضل، أستاذ الأدب والنقد في جامعة الحديدة، واحد من هذه الكتب التي تحاول عرض النظريات والمناهج الحديثة بصورة ملخصة ومبسطة تسهل على المتلقي الاطلاع على أهم النظريات النقدية، والتعرف على معالمها النقدية وشرح مفاهيمها ومصطلحاتها.
والكتاب –الصادر عن مكتبة صلاح الدين في الحديدة- في الأصل مجموعة من المحاضرات ألقاها المؤلف على طلابه في قسم اللغة العربية في جامعة الحديدة، قام بجمعها وتهذيبها وترتيبها بما يتناسب مع إخراجها في كتاب ليكون في متناول الراغبين في المعرفة والاطلاع. ولعل هذا ما يفسر تبني المؤلف المنهج المدرسي في التأليف، الذي يتجلى ابتداء من المقدمة، التي أنهاها بما يتوقع أن يخرج به القارئ، وبلغة مدرسية: “إذاً من المتوقع –أيها القارئ الكريم- أن تخرج من هذا الكتاب مدركاً للآتي: ..”{المقدمة، ص11}. إضافة إلى أهداف كل وحدة، والتدريبات وأجوبتها، والأنشطة، والتقسيمات وغير ذلك لأنَّ الكتاب موجه للقارئ العادي الراغب بالاطلاع على مفاهيم النقد الأدبي الحديث ومدارسه واتجاهاته.
ويتألف الكتاب من ست وحدات، تتناول الموضوعات الآتية:
• مقدمات تأسيسية في النقد الحديث
• النقد في مدارس الأدب الحديثة واتجاهاته
• النقد السياقي واتجاهاته
• النقد اللساني واتجاهاته
• النقد الموجه لاستجابة القارئ
• أسئلة التقويم الذاتي والتطبيقات.
وتتضمن كل وحدة أربعة فروع هي:
أولاً- المصطلحات الاسترشادية
ثانياً- موضوعات الوحدة
ثالثاً- الخلاصة
رابعاً- أجوبة التدريبات
موضوعات الكتاب
بصورة ملخصة ومكثفة، تناول الكتاب – في 261 صفحة- موضوعات نقدية مهمة، بدأها بالتعريف بالنقد الأدبي ومراحل تطوره وأهم النظريات النقدية، وحدود النقد وأنواعه، والتفريق بينها، كالنقد الانطباعي والنقد الفني والنقد الموضوعي والبراجماتي والفرق بين النقد الحديث والنقد القديم، ورؤى كلٍّ منهما ومبادئه وأسسه في التحليل وتناول النصوص الأدبية.
ثم تناول في الوحدة الثانية المعالم النقدية لكل من المدارس: الكلاسيكية والرومانسية والرمزية والواقعية والاتجاه الوجودي، شارحاً ما تشير إليه المصطلحات المرتبطة بها، وموضحاً الأسس والمبادئ التي تقوم عليها كل مدرسة على حدة، وأبرز أعلامها.
وخصصت الوحدة الثالثة للمناهج الخارجية، التي تعاين النص من الخارج، وتركز على ما يحيط بالنص من ظروف ومؤثرات، والسيرة الذاتية للمؤلف، والحس الشعري المتضمن في العمل الأدبي، أو بمعنى آخر المناهج التي ترى النص انعكاساً للتاريخ الذي ولد فيه، أو لنفسية المؤلف، أو للوقائع الاجتماعية، وهي كل من المناهج: التاريخي والنفسي والاجتماعي. أورد المؤلف أهم سمات كلِّ منهج وخصائصه وأسسه وكيف يدرس النص الأدبي، بصورة مختصرة ومكثفة.
يقابل ذلك المناهج التي تقوم بمعاينة النص من الداخل، بوصفه بنية لغوية، وهي موضوعات الوحدة الرابعة، وتناولها المؤلف في مبحثين، خصص المبحث الأول “بالاتجاهات النقدية التي اهتمت بتحليل مكونات النص اللغوية، وباستكشاف علاقاته الفاعلة فيه، وكانت هذه الاتجاهات رداً مباشراً لغلو اتجاهات نقد السياق الخارجي، التي اهتمت بتحليل ظروف المؤلف النفسية والبيئية ودراستها في المنتج الأدبي”، وتتمثل في الشكلانية الروسية والنقد الجديد في أميركا. والمبحث الآخر اهتم باللسانيات ونظرياتها، وتتضمن البنيوية والأسلوبية والتفكيكية والسيميائية والتداولية وتحليل الخطاب. واحتوت هذه الوحدة على نماذج تطبيقية، وتوضيح لأهم الفروق بين البنيوية والتفكيكية.
الوحدة الخامسة تناولت الاتجاهات النقدية الموجهة إلى القارئ، وتضمنت مبحثين، الأول اهتم بالتأويلية، أسسها ومعالمها وأبرز مفكريها، وطرائقها في دراسة النص، والآخر تطرق لنظرية التلقي، التي أعادت للمتلقي دوره في قراءة النص الأدبي، متناولاً ظروف نشأتها وما يميزها عن غيرها من المناهج والنظريات، التي سبقتها، ونقاط الالتقاء والاختلاف بينها ونظرية استجابة القارئ الأميركية.
واختتم الكتاب وحداته بالجانب التطبيقي، إذ قام المؤلف بقراءة تحليلية لنصيين أدبيين، أحدهما لشاعر قديم والآخر حديث، على ضوء معطيات المناهج الحديثة، الدراسة الأولى تناولت “رؤيوية النص، ومرايا التعميق”، قراءة في نص للشاعر قيس بن الخطيم، والثانية بعنوان: “التحليق حول الذات، ومواقف التاريخ المأزومة في نص: (البئر)، لمحمود درويش”.
الكتاب محاولة جادة لتقريب النقد الأدبي إلى ذهن القارئ المبتدئ، والنأي به عن التعقيدات التي تحيله إلى رموز وأحاج وألغاز، ليكون بذلك سهل الفهم وبإمكان الطالب استيعابه بسهولة ويسر، ويخرج بقدر كبير من المعلومات وتصور واضح للنظريات النقدية، مفاهيمها ومبادئها، وأهم مصطلحاتها النقدية.