الأسواق مفرغة من الكوادر المتخصصة


تحقيق / محمد راجح –
جهاز وظيفي متخم بإداريين لا يجيدون سوى الأعمال المكتبية

إذا أردت إنشاء مشروع خاص أو عام يستعصي عليك إيجاد كادر متخصص في إعداد الدراسات الفنية والتصاميم للمشروع ونفس الحال في الحياة العامة التي تذوق فيها الأمرين حتى تجد أخصائي أشعة في المجال الطبي أو تخدير أو أخصائي استشاري أو فيزيائي.
وتعاني اليمن من مأزق كبير لا يزال الكثير يتغافلون عنه يتمثل في غياب تام للكوادر المتخصصة في الأسواق التي يحتاجها جهاز متخم بالموظفين والكوادر الإدارية التي لا تجيد سوى الأعمال المكتبية والتفرغ لحل الكلمات المتقاطعة.

“الثورة” رصدت هذه القضية الهامة وناقشتها من عدة جوانب مع مختصين في التدريب والتنمية البشرية والتوظيف وخبراء إدارة واقتصاد وكذا عرض وتشخيص هذه المشكلة المزمنة بالإحصائيات والأرقام التي تكشف مدى ما تعانيه الأسواق والأجهزة الإدارية العامة والخاصة من اختلال كبير في إنتاج وإدارة الموارد البشرية .
يشخص الدكتور محمد يحيى الرفيق -رئيس قسم العلوم الإدارية بجامعة ذمار- المشكلة من زاويتي التعليم والصحة باعتبارهما أبرز قطاعين منتجين للكوادر المتخصصة.
ويشير الدكتور الرفيق إلى أن توزيع التعليم بكافة أنواعه في اليمن يعاني من اختلال كبير سواء على مستوى عدد المدارس في كافة محافظات الجمهورية أو على مستوى توزيع الكادر حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد المدارس الموزعة في كافة محافظات الجمهورية بلغت 15661 مدرسة حتى العام 2010م وكانت محافظة المهرة الأقل في عدد تلك المدارس وعلى أساس أن أكثر من 4ملايين طالبا وطالبه موزعين في تلك المدارس.
كما أن عدد المدرسين بلغ (203.027) مدرساٍ للأساسي والثانوي في المدارس الحكومية والخاصة .
لكن بحسب الدكتور محمد فإن توزيع المدرسين كان بشكل شبه عشوائي حيث إن بعض المحافظات فيها فائض كبير من عدد المدرسين في حين أن البعض الآخر من المحافظات تفتقر إلى المدرسين وخاصة في المواد العلمية فضلا عن ذلك فقد اتضح أن التعليم المهني والفني في اليمن يكلف مبالغ كبيرة عند التأسيس تصل إلى مليار ونصف المليون ريال في حين أن المدرسة تكلف مائة وخمسين مليون ريال الأمر الذي أدى إلى أن تكون عدد المعاهد الفنية محدودة حيث بلغت بنحو 65 معهداٍ مهنياٍ وفنياٍ.
ويقول إن التعليم الجامعي في اليمن يكلف الطالب بالمتوسط بحوالي 490 دولاراٍ وهناك مبالغ تهدر سنويا تقدر بنحو 19.9 مليون دولار.وفيما يتعلق بالمشروعات في الخدمات الصحية فقد بلغ عدد المستشفيات العامة الموزعة في كافة عواصم محافظات الجمهورية اليمنية للعام 2009م بنحو 55 مستشفى تركزت في عواصم المدن في حين أن محافظة مثل ريمة لا يوجد فيها مستشفى عام وبلغ عدد المستشفيات في المديريات نحو 175 مستشفى لنفس العام.
سيطرة الإداريين
ارتفع عدد الموظفين الإداريين العاملين في القطاع الصحي إلى أكثر من 40 % من إجمالي القوى العاملة في المجال الصحي في محافظات الجمهورية.
ويعاني هذا القطاع الهام نقصاٍ كبيراٍ في الكوادر الطبية والفنية في ظل سوء توزيعها وعدم استغلالها بشكل أمثل.
ويعمل في هذا القطاع وفقاٍ لإحصائية رسمية حديثة طبيب لكل (2000) نسمة وأخصائي أيضا لكل ألفين نسمة بينما تعاني بعض المحافظات شحة كبيرة في الكادر الطبي حيث يعمل فيها طبيب لكل (14.634) نسمة وأخصائي لكل (80.000) نسمة مع الأخذ في الاعتبار ضعف في القدرات والمهارات إما بسبب نقص التأهيل والتدريب المتخصص أو عدم الاهتمام بالتدريب المستمر خلال الخدمة.
وفي هذا الاتجاه يقدم الدكتور الرفيق دراسة استقصائية نادرة وثرية بالمعلومات والأرقام الاستثنائية التي تكشف أن الأسواق شبه مفرغة من الكوادر المتخصصة.
وتؤكد أن عدد الأطباء الأخصائيين قليل جداٍ حيث يصل عددهم في اليمن (1631) استشارياٍ بينما عدد أطباء العموم (4811) طبيباٍ وعدد الأخصائيين في المختبرات (1067) متخصص مختبرات وعدد الصيادلة (945) صيدلياٍ بينما عدد أطباء الأسنان (587) طبيباٍ وحوالي (430) خريج تمريض جامعياٍ.
مشكلة خطيرة
وتعاني اليمن مشكلة كبيرة في المتخصصين بالصحة النفسية فعددهم محدود للغاية حيث يصل إلى حوالي 41 متخصصاٍ وأما المتخصصون في الصحة العامة فقد بلغ عددهم (226 ) فقط ويذوق المواطنون الويل في الحصول على مركز للأشعة أو خبير متخصص في هذا الجانب وتكشف الدراسة الاستقصائية للدكتور الرفيق أن المتخصصين في الأشعة لا يتجاوز عددهم 66 متخصصاٍ وكذا عدد المتخصصين في التغذية بنحو 19 متخصصاٍ فقط.
والأهم من ذلك مشكلة المتخصصين في التخدير والذين لايتجاوز عددهم (127) فقط وفي جانب الأطراف الصناعية فإنه لا يوجد متخصص في هذا المجال وأيضاٍ بلغ عدد المتخصصين في العلاج الطبيعي 18 وفي طب المجتمع 24 متخصصاٍ أما في مجال الفيزياء 24 متخصصاٍ وبلغ عدد الذين هم غير متخصصين 21 فرداٍ.
وتؤكد الأرقام الرسمية أن إجمالي العدد لكافة التخصصات نحو ( 10015) وهذا العدد يمثل نسبة ضئيلة بالنسبة لعدد السكان الذي يقترب عددهم من 24 مليون نسمة.
يقول الدكتور محمد أن هناك العديد من المحددات سواء لقطاع التعليم أو لقطاع الصحة ويقارن بين نسبة الإنفاق في التعليم والصحة والإنفاق العام والناتج المحلي الإجمالي والذي يبين أن تلك النسبة كانت ضئيلة جداٍ.
ويوضح أنه اعتمد في إعداد هذه الدراسة الميدانية الهامة تقدير دالة الإنفاق على التعليم وتقدير دالة الإنفاق على الصحة وتقدير دالة الإنفاق على الدفاع والأمن من خلال بعض المتغيرات المستقلة المتمثلة في متوسط دخل الفرد وعدد السكان والإيرادات الحكومية وتم من خلال التحليل القياسي لتقدير تلك الدوال تبين من خلال تقدير دالة الإنفاق على التعليم أنه يوجد علاقة ذات دلالة إحصائية بين الإنفاق على التعليم وعدد السكان.

رصيف البطالة
يرى خبراء أن هناك نتائج سلبية يتحملها الكثير من الخريجين تؤدي بهم إلى رصيف البطالة نتيجة إقبالهم على بعض التخصصات اعتقاداٍ منهم بأنها الطريق المناسب للوصول إلى الوظيفة وذلك مثل الإقبال الكثيف الحاصل على تخصصات الكمبيوتر والبرمجة.
ويلفت المدرب والخبير المعروف في مجال التنمية البشرية رائد السقاف إلى أن الحل يكمن في نظرتنا للشباب بطريقة مختلفة على أنهم مصدر ثروة وطاقة وإذا تولد هذا التصور كل شيء يصبح سهل ويمكن أن نبدأ بطريقة وخطة قصيرة المدى حتى نتجاوز التحدي الحالي وهو بقاء مخرجات التعليم في بلادنا خارج سوق العمل.
ويوضح في هذا الخصوص رؤيته بالقول: الفكرة باختصار دراسة احتياجات السوق ثم تدريب مخرجات التعليم من كل الأقسام دورات مكثفة بما يتناسب مع سوق العمل.
ويضيف :يمكن أن أشير هنا إلى نقطة وقضية مهمة من خلال عملنا في مجال تأهيل الشباب لسوق العمل ودراستنا حول مخرجات الكليات في بلادنا وجدنا أن خريجي كليات تقنيات الكمبيوتر والبرمجيات أكثر من حاجات سوق العمل لذلك أنصح الشباب المقدمين على دخول الكليات بدراسة الموضوع والتمهل قبل اتخاذ القرار ودراسة أخرى يستفيد منها الشباب
ويؤكد السقاف أن الفرص الوظيفية الأكثر في هذه الفترة والسنوات القادمة في مجال التسويق والمبيعات والتخصصات في المجال الطبي والصحي والتعليمي بشكل أكثر من غيرها من المجالات.
ويرى أهمية الاهتمام بالبرامج التي تهدف إلى إكساب الشباب مهارات الوصول إلى الوظائف بطريقة تتناسب مع تحديات العصر وإكسابهم مهارات صناعة فرصة النجاح في بيئة صعبة ومختلفة وكذا إكساب الشباب مهارة المقابلات الوظيفية الذكية.
ويقول: كوني أعمل في مجال تأهيل الشباب وجدت أنهم يواجهون تحديات اليوم بطريقة قديمة.
يتحركون للنجاح اليوم بنفس الطريقة التي نجح بها آباؤهم ومن خلال المهارات التي قدمناها في الدورات السابقة وجدنا أن أغلبهم تغيرت لديه تصوراتهم للنجاح وبدأوا يطبقون الكثير من المهارات التي ساعدتهم في الحصول على الوظيفة.

قد يعجبك ايضا