وطن الحكمة والإيمان.. والتصدي والصمود

 

عبدالوهاب الضوراني

عندما راودتني وخطرت لي فكرت الكتابة عن أجواء وإفرازات العام الجديد 2016م للميلاد الذي نحن والعالم على أعتابه وتحت رحمة قدره خيره أو شره ومفاجأته التي قد لا تخطر لنا على بال أو نحسب لها يوماً حساباً .. كنت أتردد كثيراً وأعدل عن الفكرة وإلغاء الموضوع برمته في آخر لحظة حتى لا أنغص على القارئ الكريم صفو حياته أو أفسد عليه شيئاً مما قد يراوده من التفاؤل وأحلام اليقظة التي قد تتسرب بشكل أو بآخر إلى نفسه خلال العام الجديد . وعما سيحمله لنا في جعبته من مفاجئات وأسرار الكون التي قد لا نعير اهتمامً أو إذاناً صاغية باعتبارها وقائع وأسرار كونية إفرازاتها طي الكتمان والقدر لاعتبارات وبواعث كثيرة وجوهرية تأتي في مقدمتها الأزمة التي تزداد يوماً فيوم تصعيداً وسوءا وتفاقما التي عصفت بالبلاد وقلبت الموازين والمعايير وكل الاستنتاجات رأساً على عقب كما أثرت سلباً أيضاً على كل شيء قبل وقوعها كان جميلاً ورائعاً وجذاباً على الأرض، وهي الحرب المعلنة وغير العادلة التي شنها وللأسف الأشقاء وحلفائهم من المرتزقة والعملاء في دول الجوار وشبه الجزيرة لاستهداف الوطن أرضاً وشعباً وحضارة وإنساناً وقتل أطفاله والتي لم ينج من وقودها لا الأخضر ولا اليابس الزرع والضرع ومصادر لقمة العيش أيضاً حتى المدارس والمستشفيات ودور الحضانة والعبادة لم تستثن أو تسلم من القصف وآلة التدمير.
وعندما لاحت في الأجواء ثمة بوادر ومؤشرات للانفراج وإنها الأزمة والحرب مؤقتاً تمهيداً للتوصل لتحقيق تسوية سياسية ووطنية عاجلة تشمل كل الأطراف والفرقاء على قاعدة ومبدأ لا غالب ولا مغلوب وكلنا على متن زورق واحد وبيضناً في سلة واحدة ومصير مشترك والعمل على تغليب لغة الحوار بدلاً من أصوات المدافع وأزيز الطائرات.”بعد خراب مالطا طبعاً” وتنفس العشب اليمني العظيم والصامد الصعداء وبدأ يلملم جراحه وأشلاء شهدائه وأطفاله راودتني الفكرة مجدداً لإعادة الكرة والنظر في الموضوع المؤجل والمتعثر وإفراغ ما كان يشغلني ويضيق به صدري وقلمي في الماضي من هواجس وخواطر وجملة من الإيحاءات والملاحظات التي عجز قلمي فيما يبدوعن رصدها وصياغتها أولاً بأول نتيجة الحرب وتفاقم الأزمة وهو الرفيق الذي لم يخذلن يوماً أو يفارقني طرفة عين والذي طالما ضاق بي وبعنادي ولا زال ذرعاً لإساءاتي المتكررة والتي قد تصل أحياناً كثيرة إلى درجة القسوة والأنانية والعبث عندما كان يتأرجح وأنا أكتب ويرتعش كورقة في مهب الريح بين أصابعي ربما حتى لا أؤثر سلباً على القارئ وأفسد عليه جزءاً من أجواء الاحتفاء والشعور بالتفاؤل الذي قد يراوده ويخارلجه خلال العام ويتسرب إلى نفسه. وهو العام الذي استناداً إلى العديد من مصادر وتوقعات الفلكيون وعلماء الأبراج والمنجمون كذبوا وإن صدقوا وثرثرتاهم ومغالاتهم التي لم تعد تنطلي على أحد ويصدقها عاقل أو مجنون لأن الغيب وأسرار الكون والمستقبل لا يعلم بها إلا الله وحده وأن ما يروجون ويتشدقون به عادة من قدرات وتوقعات كونية وغيبية واجتهادات بأن الزعيم الفلاني سيطاح بنظامه هذا العام في انقلاب عسكري وأن كارثة ستقع هنا وزلزالاً كاسحاً ومدمراً سيحل هناك وغيرها من الأكاذيب والافتراءات التي لا أساس لها من الصحة وكأن بأيديهم مفاتيح الغيب وعفاريت سليمان عندما أعلن أحدهم وبالفم المليان بأن بعض البلدان الأكثر فقراً والأقل نمواً التي تقع على رأس حربة من بؤر التوتر والصراع في المنطقة ستشهد في العام القادم الكثير من النكبات والتداعيات والمفاجئات المزعجة التي ستكتسح في طريقها الأخضر واليابس الحرث والنسل والعديد من مصادر لقمة العيش أيضاً بينما كاهن ومتحذلق آخر من البارعين عادة في ممارسة التنجيم وقراءة الفنجان أعلن بدوره في مناظرة وريبورتاج مدفوع الثمن عن تفاؤله وارتياحه الشديدين عما سينطوي عليه العام الجديد من أجواء ومفارقات قد تثلج الصدور وتداوي الجراح وأن العالم سيكون أكثر تعايشاً وأكثر أمنا وسلماً مقارنة بما تلاه من أعوام عجاف وأن النازحين من سكان المخيمات التي تقطعت بهم السبل في أرض الشتات وتحصدهم الأوبة والأمراض الفتاكة بالعشرات سيعودون إلى بيوتهم وقراهم وحقولهم التي هجروها وأصابها الجفاف وشحه الموارد جراء الحرب وتصعيد المواجهات التي أثرت سلباً على جمال الطبيعة والكون وكل شيء رائع وجذاب على الأرض وأدت أيضاً إلى تعطيل الحياة وتجريدها من سموها وجاذبيتها وأجمل معانيها الإنسانية فلنجعل عزيزي القارئ من العام الجديد وقادم السنين أيضاً فرصة سانحة ونادرة لا تتكرر ثانية لإشاعة الألفة والمحبة والتسامح والوئام ومناسبة أيضاً لإعادة إصلاح ما أفسده الإنسان وليس الدهر ولاكته ألسنة البشر نتيجة المغالاة وارتكاب الحماقات والمكايدات السياسية والعقائدية والكثير من المعتقدات الفارغة الأخرى والتي لاتخدم في المحصلة وفي أسوأ التقديرات والأحوال إلا فئة قليلة شاذة من المرتزقة والأصوليين تجار الحروب وتصعيد الأزمات وإيقاظ الفتن ما ظهر منها وما بطن وهي نائمة ولنستخلص الدرس والموعظة الحسنة مما حدث خلال الثلاثة الأعوام الماضية من منتصف القرن تحديداً من كوارث وأزمات أشعلتها العديد من التيارات والانتماءات الطائفية الضيقة واعتقد أن الوقت قد حان لطي صفحات الماضي بكل إنزافاتها و أوجاعها وتضميد الجراح التي لا تزال غائرة تنزف دماً والتي أوقعتها ونكأتها رؤوس الفتنة والانهزاميون من دعاة المرتزقة والانفصال الذين دأبوا عادة على الإثارة وإيغار الصدور وتكريس الإساءة تلو الإساءة وتوجيه الطعنة تلو الأخرى للوطن وأبناءه ووحدته العظيمة الذين لا شاغل لهم أو شغل أو مشغلة سوى تكريس المزيد من الطعنات والذين رحلوا إلى حيث ألقت وهم يجرجرون ورائهم أذيال الخيبة والذل والعار جراء ما تسببوه وارتكبوه من أخطاء وهفوات وعبث أوقع أضراراً فادحة لا تعوض في العديد من المرافق والمنشآت ومختلف مواقع العمل والإنتاج وتوظيف كل الجهود والطاقات وما تبقى وظل سليماً وقائماً ومتاحاً من الكوادر والموارد والطاقات لإعادة بناء وتأهيل الإنسان أولاً وأخيراً وقبل كل شيء باعتباره هدف التنمية وغايتها والأخذ بيده قدماً وتمكينه من تحمل المسؤولية والشراكة الوطنية في صنع واتخاذ قرار المستقبل لإعادة بناء ما هدمته وعبث به جيوش ومعاول الانهزاميين الذين فروا إلى المنفى حاملين معهم مشاريع الخراب والدمار والتشطير من المسائلة ولعنة التاريخ وحلفائهم من جديد لعل وعسى أن يستعيد الوطن التقاط أنفاسه وجزءاً من تأثيره ومكانته القومية والإقليمية وأن يستأنف مجدداً ممارسة توازنه وموقعه الدوليين في مختلف موازين القوى والتحديات الخارجية والعمل فصاعداً لإخراج سفينة الوطن وأبنائه من حالة الركود والتخبط والغرق في حمام الدم الذي لازال يسفك ويراق هنا وهناك وفي كل جزء من وطن الحكمة والإيمان إلى مرفأ السلامة وبر الأمان ودعوة كل الفرقاء والقوى السياسية والوطنية وأطراف النزاع لاستئناف المفاوضات والعودة مجدداً إلى طاولة الحوار بمصداقية ومسؤولية وبروح الفريق الواحد والسيوف في أغمادها من اجل التوصل إلى صيغة مذكرة تفاهم فيما بينها تقوم على أساس مبدأ المصالحة الوطنية وتغليب مصلحة الوطن ووحدته وتجنب أبناءه مغبة وويلات الانزلاق في أتون حرب وصراعات أهلية وطائفية فوق أي مصلحة واعتبار آخر من شأنها اكتساح الأخضر اليابس ويكون وقودها الناس والحجارة..
وصباح الخير يا وطن

قد يعجبك ايضا