رباطة الجأش في السياسة الإيرانية
عبدالغني العزي
تتمتع الحكومة الإسلامية الإيرانية برباطة جأش وسعة صدر وبعد نظر وتأنٍ مدروس لكل خطوة تخطوها في سياستها الدولية بعيدة المدى لا يماثلها في تلك الميزة إلا الإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدة ولكن بنسبة أقل ويعود السبب في تفاوت النسب بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية هو الفارق الكبير في موازين القوة لدى الدولتين ونسبة المتربصين بهما وأثر كل منهما في القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة وتوابعها من المنظمات…
الحكومة الإيرانية تدرك ما يحاك لها من مؤامرات وما يصنع لها من ورطات لغرض الإيقاع بها ومن ثم الفتك بها وتدمير ما لديها من قدرات عسكرية وتكنولوجية واقتصادية ولكنها تستطيع الإفلات من كل ذلك بذكاء وحنكة تدهش المتآمرين وصناع الورطات بل وتخرج حاصدة للمكاسب السياسية والاقتصادية والعسكرية وعلى كل المستويات وبعكس ما يتوقع الخصوم.
ومن يتابع ويتأمل في السياسة الإيرانية بعد انتصار الثورة الإسلامية، يجد أن تلك المميزات بدأت رويداً رويدا في السياسة الإيرانية التي تلت انتصار الثورة حتى تعمقت وصارت اليوم ملازمة لسياسات كل الرؤساء المتعاقبين على إدارة شؤون البلد مع وجود فروق بسيطة لكل إدارة عن الأخرى نتيجة اختلاف الأشخاص…..
لقد كانت لتلك المميزات في السياسة الإيرانية في خط مواز للمواقف والآراء الشخصية والإعلامية الحادة التي تصدر بين الحين والاَخر من مسؤولين عسكريين ومدنيين وتعبر عنها صحف وقنوات إخبارية وتلقى لها صدى دولياً، ولكنها في حقيقتها لا تمثل جوهر السياسة الإيرانية بل تظل مواقف شخصية لقائلها أو رأياً صحفياً منشوراً يعبر عن ناشره وليس لها تأثير على مسارات السياسة ورباطة الجأش والتأني الاستراتيجي تجاه القضايا الحساسة والمصيرية بالنسبة للجمهورية الإيرانية….
ومن الأدلة الواضحة على ملازمة تلك المميزات للسياسة الإيرانية هو الصبر الكبير غير المحدود على ما اتخذ ضدها من مواقف إقليمية ودولية بغية تدميرها والقضاء عليها ابتداء بالحرب العراقية أو بالأصح الخليجية بعد ميلاد الثورة والتي تحالفت قوى العدوان فيها مثل ما هو قائم اليوم من تحالف ضد الثورة اليمنية …
وما تلى ذلك من حصار للشعب الإيراني الذي اتخذ من المفاعلات النووية ذريعة له والذي كان له انعكاسات سلبية على الاقتصاد الإيراني جعل المواطن العادي يدركه في معيشته اليومية.
أما ما تحاوله السعودية بدفع من القوى الكبرى أن توقع بالجمهورية الإسلامية فيه فهو واضح للعيان، ويمكن أن نذكر منه نماذج فقط فيما هو مباشر وما هو غير مباشر ’أما المباشر فمن أبرزها القتل المتعمد للحجاج الإيرانيين في موسم الحج الماضي اغتيال الشيخ النمر وضرب السفارة الإيرانية بصنعاء، وأما ما ليس مباشراً فيتمثل في العدوان على اليمن بحجة محاربة المد الإيراني وتدمير سورية بحجة أنها حليف للإيرانيين، وتعطيل العملية السياسية في لبنان خوفا من انتصار تيار المقاومة الذي كما يدعون يعد انتصاراً للإيرانيين بانتصار حزب الله..
وفي كل تلك المحاولات تخرج السياسة الإيرانية منتصرة ومحققة المكاسب الكبيرة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية وإن بصورة تدريجية مثل ما هو حاصل في خطوات التوقيع على الاتفاق النووي والتي تليها خطوات حصاد المكاسب للسياسة الإيرانية وبالمقابل حصاد الفشل الذريع لصناع الورطات وفي مقدمتهم الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل..
إن نجاح السياسة الإيرانية في الإفلات من حلقات الفخ الدولي والإقليمي يعود إلى تلك المميزات التي سبق ذكرها والتي صارت جزءاً من الاستراتيجية السياسية للجمهورية الإيرانية وستظل كذلك في العقود القادمة ومن خلالها سيتحقق للجمهورية الإسلامية المزيد من المكاسب وسيخسر من يراهن على الإيقاع بالجمهورية الإسلامية الإيرانية في حرب حتى ولو كانت بالنسبة لها حرب مشروعة ومقدسة ما لم تتعرض هي بشكل مباشر للعدوان، فربما حال ذلك يتم إزاحة تلك الاستراتيجية من السياسة الإيرانية ويستعاض عنها بسياسة أخرى ولكنها ستكون أيضاً سياسة مدروسة. كما هي عادة الإيرانيين.