مِن واقع الحياة
الأسرة/ عادل بشر
كانت الساعة قرابة السادسة والنصف مساءً، حين كان سائق سيارة التاكسي يطوف بسيارته في شوارع منطقة مذبح بأمانة العاصمة بحثاً عن ما كتبه الله له من رزق قد يحظى به في تلك المنطقة , حينها استوقفه ثلاثة أشخاص وطلبوا منه إيصالهم في مشوار إلى محافظة المحويت .
تردد السائق كثيراً في خوض هذا المشوار ثم تفحص وجوه الأشخاص الثلاثة عله يكتشف ما قد يخبأه له القدر وراء تلك الوجوه إلا أن فراسته المعهودة والمكتسبة من خبرته الطويلة في هذا المجال خانته ذلك اليوم , فقبل بالمشوار وانطلق على بركة الله.
سار السائق بسيارته باتجاه مديرية شبام بالمحويت , ثم سلك الخط الجديد المؤدي إلى مدينة الطويلة ’وحتى هذه اللحظة كان كل شيء على ما يرام , ولم يشعر بأي خوف من سلوك طريق طويل في مناطق خالية من السكان برفقة ثلاثة أشخاص لا يعرف عنهم شيئاً , خصوصا وانه حين قبل بالمشوار في وقت كانوا لايزالون بمنطقة مذبح وأثناء تفحصه للزبائن الثلاثة لاحظ أنهم لا يحملون أي أسلحة نارية , الأمر الذي طمأنه بأنهم لا يكنون شراً له.
مضت السيارة في طريقها لا شيء يعيقها عن الاستمرار في السير عدا شدة ظلمة الليل التي دفعت بالسائق إلى التخفيف من حدة السرعة , وحين بلغت السيارة منطقة « الظلاع» الواقعة بين مديرتي شبام والطويلة , طلب منه أحدهم سلوك طريق فرعي بخلاف ما اتفقوا عليه في صنعاء , فاستغرب السائق رغبتهم في سلوك هذا الطريق , وقال لهم، أنهم طلبو منه إيصالهم إلى الطويلة وهذا الطريق الفرعي لا يؤدي إليها .
أصر الأشخاص الثلاثة على طلبهم في سلوك الطريق الفرعي , فانتاب الشك سائق سيارة الأجرة حول هذا الإصرار , ولاحظ تغيراً كبيراً في لهجتهم التي أصبحت حازمة وملامح وجوههم التي تحولت إلى كتلة شر ملتهبة , فرفض سلوك الطريق الفرعي وخيرهم بين المواصلة حتى مدينة الطويلة أو النزول من السيارة وسلوك الطريق الفرعي مشياً على الأقدام , ولكنه لم يكد يُكمل كلامه حتى فوجئ بأحد الراكبين اللذين في المقعد الخلفي يغطي رأسه ووجه بـ» شال» ويشده بقوة , فيما قام الراكب الأخر بالإمساك بيديه ومحاولة تقييدها وشل حركته , أما الشخص الثالث فقد تولى عملية التخلص من هذا السائق فسحب « جنبيته» ووضعها في عُنق السائق معتزماً قتله ذبحاً.
لم يستسلم السائق لأفراد العصابة وهم يتقاسمون جسمه كضباع تنهش لحم فريستها وهي حية , وحاول الدفاع عن نفسه قدر المستطاع , الأمر الذي أعاق العصابة من إتمام مهمتها بشكل سريع كما كانت تخطط ,ودخل معهم في شد وجذب لدقائق معدودة وهو مثبت في مقعدة خلف المقود والرجل الذي في الخلف لا يزال يغطي رأسه بإحكام ويمنعه من الالتفات أو الإفلات من قبضة « الشال».
ولإنهاكه ووأد حركته قام أحدهم بقطع بعض أصابع يديه بواسطة خنجر حاد , فيما استطاع الشخص الثالث من إيصال شفرة جنبيته إلى عنق السائق والبدء بعملية الذبح ,حتى اعتقد السائق انه أصبح في عداد الأموات .
في تلك اللحظات العصيبة وبينما لم يعد يفصل بين الحياة والموت لدى السائق سوى شعرة واحدة , اخترق ظلمة الليل الشديد بصيص ضوء قادم من سيارة تسير في ذات الطريق , الأمر الذي أعاد الأمل لسائق التاكسي الأجرة في إمكانية الحياة من جديد , وساعده ذلك الأمل في الاستمرار في مقاومة المعتدين عليه , بينما أصيب الثلاثة المعتدين بالارتباك الشديد , فحاولوا الإسراع في قتل السائق ونهب سيارته , إلا أن القدر كان أقوى منهم ومنحه قوة للدفاع عن نفسه وعدم الاستسلام , وكلما اقتربت السيارة القادمة أكثر , كلما زاد دافع القوة لدى المجني عليه في مقاومة أفراد العصابة , وفي نهاية المطاف لم يجد الثلاثة اللصوص سوى الفرار والاختفاء وسط الظلام تاركين سائق التاكسي الأجرة ينزف من عنقه ويديه داخل سيارته وسط الطريق .
وحين وصلت السيارة الأخرى جوار سيارة الأجرة , كان من الطبيعي أن يهدئ سائق السيارة الأخرى من سرعته كون سيارة الأجرة متوقفة في مكان خال من السكان وتتوسط خط السير , فسارع المجني عليه إلى الاستنجاد بركاب السيارة الأخرى طالباَ منهم إسعافه إلى اقرب مستشفى.
تم إسعاف السائق المجني عليه إلى المستشفى وهو ينزف بشدة وحين وصل إلى المستشفى حاول الأطباًء الاستفسار منه عن ما حصل له ولكن صوته انقطع ولم يستطع الكلام , فعمل الأطباء جاهدين على إيقاف النزيف وعمل الإسعافات التي تضمن له البقاء حياً حتى تم نقله بعد ذلك إلى مستشفى آخر أفضل إمكانيات وتجهيز اً, فأُدخل العناية المركزة وظل تحت رعاية مستمرة من الأطباء لعدة أيام حتى تحسنت حالته.