الانتحار.. هروب من المر إلى الأمر ..؟

الأسرة /وائل الشيباني
عانت (فاتن) الأمرين طيلة حياتها من زوجة أبيها التي كانت تعاملها كخادمة لها, ومن قسوة أبيها التي أعمت زوجته بصيرته لتفتح بعدها كل تلك المعاناة طاقة القدر.. هذا ما كانت (فاتن ) تتخيله خاصة عند إقدام أحد الشباب للزواج بها فوافقت على الفور هرباً من واقعها الأليم ولتبدأ بذلك حياة جديدة .
هذا ما حدث بالفعل ولكن لشهر واحد بعدها بدأت عجلة الحياة تلف بها إلى الخلف بكل قسوتها وهذه المرة مع أم زوجها التي كانت تداوم على البكاء والنواح والشكوى لولدها من زوجته فتتلقى فاتن بعدها سيلاً الشتائم وصنوف المعاناة من زوجها لتدخل رحلة جديدة من الأسى لم تصمد أمامها فما كان منها إلا أن توجهت وبكل صمت إلى المطبخ الذي أغلقت بابه وأحرقت نفسها بداخله والنهاية هي الموت بعد أن فشل الزوج في إنقاذها حين لفضت أنفاسها الأخيرة في طريقها إلى المستشفى.

السبب هو الرغبة في الزواج فكانت البداية من الفراق والنهاية كانت الموت .. هذا ما جسده تماماً أيمن حينما قرر الانتحار بعد سماعه خبر  زواج من أحب ولم تخالفه (ف-أ) فهي أيضاً لم تقو على التحمل حينما عاكستها أمواج الحياة .
أيمن و(ف-أ) لم يقدر لهما الزواج بمن تمنوا ..أيمن كان شاباً قوياً عندما أحب إحدى جاراته لسنوات عدة ولكن رغبة والده كانت أقوى منه مما جعله ينصاع في النهاية لها وتزوج ابنة عمه، ومرت الأيام ومازال قلب أيمن معلقاً بابنة جاره خاصة عندما لاحظ الفرق بينها وبين زوجته.
كذلك (ف-أ) هي الأخرى صمدت لعدة أشهر وحاولت إسعاد زوجها ولكن كلمات من أحبته في أثناء الدراسة وأسلوبه المخلق معها صعب عليها نسيانه لتعيش في ضيق ونكد طيلة فترة زاوجها.
فكان القاسم المشترك بينهما اختيار طريقة وأداة واحدة للانتحار .. أيمن بعد أن علم بأن جارته قد تم عقد قرانها بشاب آخر ذهب مسرعاً لغرفته وأخذ مسدس والده وقتل نفسه بعد أن أدرك أن من يحب قد تزوجت.
(ف-أ) نتيجة لتعنت والدها وأصراره على تزويجها جعلها هي الأخرى تتجه في آخر المطاف إلى مسدسه الشخصي لتقتل نفسها في بيت أبيها بعد أن كتبت له أنا الآن مت وأتمنى أن تكون قد ارتحت.
(الاضطرابات النفسية )
القلق والخوف والوسواس وغيرها من الأمراض النفسية التي يتعرض لها الإنسان من أهم الأسباب التي قد تؤدي إلى الانتحار بما في ذلك سوء التوافق الانفعالي والعاطفي والاجتماعي.. هذا ما قاله علم النفس.
أما الدكتور عبد الجليل التميمي أستاذ علم النفس الإكلينيكي /بجامعة صنعاء كلية الآداب يضيف بالقول: تشير الدراسات العلمية إلى أن هذه الظاهرة المؤسفة تزداد في المجتمعات التي تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية وأسرية .
ويضرب الأمثلة بالقول: فالشخص الذي يعاني من الناحية الاقتصادية ..غالباً ما يشعر باليأس والإحباط وقد يبحث عن منافذ وحين يفقدها يضطر إلى القيام بأفعال غير شرعية ..فيعيش في حالة الشعور الدائم بالإحباط واليأس والشعور العميق بالفشل مما يؤدي به إلى القيام بأعمال سلبية كالانتحار مثلاً.
(الظروف المحيطة )
لم تخف الدكتورة عفاف الحيمي, أستاذة علم الاجتماع بجامعة صنعاء, تفاجأها حين قالت إن أحد الصحفيين جاء إليها قبل عام ليسألها عن هذا الموضوع .. وترى بأن الأرقام الحالية لهذه الظاهرة تعد مؤشراً خطيراً يدفعنا للبحث عن الأسباب وإيجاد الحلول المناسبة، موضحة بأن هناك ظروفاً اجتماعية واقتصادية وأسرية تدفع بالإنسان إلى أن يحكم على نفسه بالقتل منها اليأس الشديد سواء كانت تلك الظروف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وصعوبة العيش خاصة وأن التعليم حالياً لم يعد يلبي احتياجات سوق العمل فعندما يتخرج الشاب من الجامعة لا يستطيع الحصول على فرصة عمل مما يجعله يحس أن العمر يضيع بدون فائدة، إلى جانب أن المجتمع ووسائل التنشئة بمختلف اتجاهاتها لا تغرس مفهوم المسئولية الاجتماعية في الشباب وكيفية تجاوز مشكلاته من خلال البحث عن العمل بعد إكمال الدراسة. كما أن وسائل التنشئة لا زالت تهتم بالغرائز ولا تهتم بالعقل .
ونوهت الحيمي إلى أن القهر الاجتماعي أحد الأسباب التي تدفع النساء بشكل خاص والرجال والشباب بشكل عام للانتحار.
(ضعف الإيمان )
ضعف الإيمان وعدم معرفة الإنسان بالحكم الشرعي لهذه المسألة هو السبب للانتحار، وهذا ما أكده الشيخ محمد الحزمي الذي يقول : إن من يقتل نفسه ظناً منه أنه سيرتاح من الهموم التي تلاحقه هو آثم عند الله ومصيره الخلود في النار, قال تعالى (من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساداً في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ) صدق الله العظيم .. وإن ضعف الإيمان هو أكبر الآفات التي قد يمر بها الإنسان في حياته .. وأن قوة الإيمان في الفرد تدفعه إلى أن يصبر ويستعين بالله تعالى ويعلم أن كل شدة في الدنيا تصيبه مهما كانت شديدة فإن عذاب الآخرة أشد منها فكيف يفر من ضيق وشدة مؤقتة لابد لها من نهاية إلى عذاب دائم لا نهاية له .. وعلى الشاب المسلم أن يتذكر بأنه ليس الوحيد الذي يصيبه البلاء والشدة فقد أصاب البلاء الأنبياء والرسل والصالحين فالبلاء سنة كونية لا يكاد يسلم منها أحد .

قد يعجبك ايضا