عباس السيد
في إحدى مقابلاته التليفزيونية ، قال العربي المصري محمد حسنين هيكل : “ إن الحرب التي يشنها التحالف بقيادة السعودية على اليمن ، دمرت ما بناه اليمنيون خلال المائة عام الماضية” . ولو أن هيكل أضاف إلى ما أحصاه ، عشرات المواقع الأثرية التي استهدفت بالغارات الجوية ، لجاز له أن يقول : إنهم يدمرون ما بناه اليمنيون خلال آلاف السنين.
ومع ذلك ، لا يزال العالم مكبلا في إطار اللوحة المزورة لـ “ القردة الثلاثة “ الذين جسدوا اللآءات الثلاثة : لا أرى ، لا أسمع ، لا أتكلم “ وهو مبدأ قديم يعود إلى القرن السابع عشر . اللوحة المنقوشة على واجهة معبد “ نيكو “ الشهير في اليابان ، يظهر فيها أحد القرود وهو يغطي عينيه بكفيه ، ويعرف باسم “ ميزارو” والثاني يسد أذنيه ، ويدعى “ كيكازارو” والثالث “ إيوازارو “ ويظهر مطبقا بكفيه على فمه .
النقش المثير للجدل ، فسره علماء يابانيون بأنه يرمز إلى مبدأ ديني يحث الإنسان إلى عدم تسخير عينيه أو أذنيه ولسانه في الشر .
ومثل كل الماركات اليابانية ، أنتشر مبدأ القردة الثلاثة في أرجاء العالم . لكن ، يبدو أن هذا المنتج لم ينل ما يستحقه من اهتمام بلد المنشأ ، وجرى تزويره وتقليده وتسويقه مثل سلعة مهربة بدون ضمانات، ولم يُرفق حتى بكتالوج أو أدلة للمستخدمين الذين أساؤا استغلاله بعيدا عن النوايا الحسنة للقردة الثلاثة ، وبعكس ما أرادوا .
فالمبدأ الذي يعبر عنه لفظا أو كتابة باللآءات الثلاثة أو بصورة القرود الثلاثة ، صار شعارا لما يمكن تسميته “ الحياد السلبي “ وهو سلوك يجسد أبشع صور الفساد في القيم الأخلاقية لدى الإنسان .
إحدى صور هذا الانحلال السافر في القيم والمبادئ تتجلى بوضوح في المواقف الشعبية والرسمية ـ عربيا ودوليا ـ من الحرب الغاشمة والحصار الخانق الذي تتعرض له اليمن منذ قرابة العام . وهي مواقف تتراوح بين التخاذل والتجاهل وتصل في بعضها إلى التواطؤ .
فعلى الرغم من حجم الجرائم والمجازر المروعة وإعداد الضحايا بين المدنيين وحجم الدمار الهائل الذي أتى على كل شيء بناه اليمنيون ، لا تزال طائرات التحالف الذي تقوده السعودية تحلق في سماوات المدن والقرى اليمنية ليل نهار بحثا عن أهداف جديدة بين الأنقاض والأشلاء ، فيما لا يزال العالم ـ بشعوبه وحكوماته وهيئاته ـ مكبلا بأيدي النسخ المزورة لـ “ القردة الثلاثة “.
قد نجد أعذارا للبعض في مواقفهم السلبية ـ حتى وإن كانت واهية وغير مقنعة ـ سواء كانوا أشخاصا أو شعوبا ، حكومات ، وسائل إعلام ، أحزاب ومنظمات ودكاكين أخرى . لكن ، من الصعب على “ بان كي مون “ أن يجد عذرا لمواقفه المتخاذلة حد التواطؤ ، وذلك لسببين أثنين :
أولا ، باعتباره أمينا عاما للأمم المتحدة ، المنظمة المعنية بحماية الشعوب .
وثانيا ، للروابط الثقافية والإثنية والجغرافية التي تربطه ـ كمواطن كوري ـ مع اليابانيين في موطن القردة الثلاثة ، فالمهاجرين الكوريين هم اول من استوطنوا الجزيرة اليابانية . وقد كان عليه أن يعمل من موقعه على تصحيح المبادئ المشوهة للقردة الثلاثة. لا أن يزيدها تشويها.
وفي أسوأ الظروف والضغوط ، كان على ، بان كي مون ، أن يكتفي بتمثيل دور” القرد الرابع “ الذي يقول بعض اليابانيون أنه أختفى من اللوحة المنقوشة على المعبد ، وقد كان يمثل “ اللآء الرابعة ، لا أفعل “ وهو بالفعل دور ملائم لتجسيد العجز الدائم للمنظمة الدولية .
لكنه ، بدلا من ذلك ، أضطلع بدور النسخ المزورة للقردة الأربعة مجتمعة ، ليظهر بمفرده في لوحة بديلة جديرة بأن يطلق عليها “ مونكي مون “ فعلى مدى أكثر من عشرة أشهر من الحرب والقتل والدمار والحصار ، بما شهدتها من جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية ، كان “ مونكي مون “ قردا بأربعة ، أو أربعة في واحد “ لا أرى ، لا أسمع ، لا أتكلم ، لا أفعل “ .. ويبقى السؤال المحير : من أين أتى “ مونكي “ بثمان أيدي ليقوم بكل ذلك ؟