توالدُ المشاعرِ والصور للشاعر / خالد عبيد
عبد الرقيب الوصابي
يعدُّ الشعر وسيلةَ الشاعرِ للتعبيرِ عن مشاعرِ الحب والسرور ، وكذا مشاعر الاستياء والألم ؛ وهو أي الشعر ـ كذلك ـ انعكاسٌ لواقعِ الشاعرِ النفسي ، بل هو وسيلته للتعبير عن تجاربهِ الوجدانيةِ والكونيةِ ؛ وحينئذٍ يتكونُ ما يمكنُ أن نسميهِ تجربةً شعريةٍ وبما ينمُّ عن عميقِ المشاعرِ والأحاسيس
ولأنَّ الشاعرَ ـ في الغالب ـ يمرُّ في حياتهِ بتجارب مختلفة؛ ويحاولُ بأسلوب أو بآخر أن يعبرَ عن تجاربهِ وينقلها إلى غيره، قد يفلحُ أحياناً ، وقد يخفق أحياناً أخرى ؛ غير أنَّ الشاعر الموهوب / خالد عبيد بما يملكُه من إحساسٍ مرهف يبدو في تجربتهِ الشعريةِ الأولى “شذرات ” قادراً على صياغةِ تجاربهِ والتعبيرُ عنها أصدقَ تعبيرٍ ؛ تتضحُ في نفسهِ فضاءاتُ تجربتهِ، يقف على التفاصيلِ بفكرٍ مستنيرٍ ، ويرتِّب أفكارَه ترتيباً أنيقاً يشفُّ عن أسلوبٍ يخصُّه دونَ غيره .
وتجربتهُ هذه تحدثُ نوعاً من التمازجِ بينَ الشاعرِ والمتلقي ؛ وكأنَّ الشاعرَ يعبرُ عما يعانيهِ المتلقي نفسَهُ ويهيأ له سبلَ التشاركِ مع أفكارهِ وانفعالاتِهِ ، أي أنّ خطابَ القصائد قد تركت أثراً يستقي غاياتهِ في توصيل المعنى الذي ارتآه الشاعر حينَ عكست مجملُ قصائدهِ أنَّه شاعرٌ يؤمنُ بالحبِ ويكتبُ به عن الحبِ ولأجل الحبِ ؛ هذا ما تقوله معظمُ قصائدِ الديوان الغزليةِ وهي تناجي الحبيبَ القريب / البعيد .
يقولُ الشاعرُ : –
أناجـيك يـا طيفَ مـن أودعـوا
هواهم بقلبـي ولـم يـرجعـوا
فـمن لـي ســواك ألــوذُ بــه
وهم في فؤادي ولم يسمعوا
فـأنـت نـديـمي مـن بـعدهم
أنـاجـيكَ والـوجـدُ بـي يـقطـعُ
فـو الـلـه يـا طـيـفـهـم أنـنـي
أذوبُ مـن الـــوجـدِ لا أهـجـع
والشاعرُ يملكُ رصيداً من الثروةِ اللغويةِ تمكِّنهُ من اختيارِ الألفاظِ الموحيةِ التي تثيرُ في القارئ والمتلقي حالةً سيكولوجيةً معينةً إلى جوار تضاعفِ الصورِ والعواطفِ والأفكار تدعيماً للتصويرِ النابض بالتفاعلِ الحيّ والإثارةِ والتذكر والاستجماعِ لمكنونِ المشاعر الإنسانيةِ المترسبة في الأعماقِ قتوقظها وتفجرها وتحدثُ هزة عاطفيةً لدى القارئ تدهشهُ وتفاجئهُ وتمنحهُ المتعة ..
يقولُ الشاعرُ :
زمـانٌ تولـى ولـن تـشـبعي
من الذكريات فـهيـا ارجـعي
وصبي خيالـك في مهجعي
وحطي رحـالك في موضعي
وشدِّي على خصرك أذرعي
ومــدِّي ذراعيـك لا تفـزعـي
كمـا يتخذُ الشاعرُ الصورةَ الموسيقيةَ وسيلةً لتحقيقِ التوافقِ والتوازنِ النفسي والطبيعي ، ويوظف ـ ذلك ـ توظيفا يصاعدُ قوةَ الخطابِ ويعمِّقُ المشاعر ويلهبُ الأخيلة
يقول الشاعر :-
تـمنيتُ لـو أنني في الهوى
هـواكِ وقـلبي لـديـكِ أجـير
أنـا عـاثـرُ الحـظِّ منـذُ الـصبا
لأنِّـي خُـلقـتُ بـحـظٍ ضـرير
قتلتِ فـؤادي باسـمِ الهـوى
فصارَ الهوى خنجرا من حرير
ما أودُّ قولَـهُ هنا أنَّ الشاعرَ قد استطاعَ أن يوفقَ بينَ هذه العناصرِ وجعلها تتآزر فيما بينها لتحقيقِ غايات مرجوةٍ أرادها الشاعر ، فهنيئاً لهُ وهنيئاً لنا به ..