في كتابها “تأثير التكنولوجيا في الرواية” الصادر مؤخرا ركزت الباحثة صيتة علي العذبة على أشكال هذا التأثير وألوانه وانعكاساته وحركيته، اعتمادا في تمظهره الأول على أكبر عدد ممكن من الروايات الورقية، التي كانت حقل تفاعل التكنولوجيا مع الإنسان وإبداعه، وانتهاء بالتطبيق على اللون الأكثر ثورية في الرواية والأكثر التصاقا بالتكنولوجيا وهو: الرواية الرقميّة.
ومرورا بالرواية التي شكلت، من وجهة نظر هذه الدراسة الحلقة الوسطى فكريا لا زمنيا، وهي الرواية ذات الأصل أو الفكر الورقي، التي أصبح من الممكن قراءتها عن طريقِ وسيطٍ جديد، غير الورق هو شاشة الكمبيوتر أو الأجهزة القارئة للكتب أو أجهزة الهواتف الجوالة.
وانقسمت الدراسة، بناء على ما سبق إلى المباحث التالية: التمهيد، حيث شكل مدخلا لتفرعات الدراسة وفلسفتها، وفيه توضيح لنوع هذه الدراسة، وبأنّها تمثل جانبا من الاهتمام بعلاقة العلم بالأدب، وهو اتجاه بدأ بالظهور في اهتمامات نقادنا العرب مؤخرا، ويعد جزءا من دراسات الأدب المقارن، التي تدرس الأدب خارج أية حدود، وأحدث مجالاته هو العلاقة بين الأدب والعلم.
ويعد أيضا جزءا من أحدث أشكال النقد الذي سيطر مؤخرا على كل نقد: النقد الثقافي في اهتمامه بكل مناحي الحضارة التي تؤثر على المناشط الفكرية للإنسان، وهو أحد مجالات اهتمام النقد الثقافي المقارن تحديدا، وفي التمهيد تقدم المؤلفة تعريفا شاملا للفكرة العامة التي جاءت من أجلها هذه الدراسة وتقسيماتها.
جاء الكتاب في ثلاثة فصول، حيث ألقى الفصل الأول: نبض التكنولوجيا في الرواية الورقية، نظرة مسحية وأخرى تطبيقية على خمس وسبعين رواية من روايات القرن الحادي والعشرين المطبوعة في الحقبة الممتدة بين عامي (2000 إلى 2008) في محاولة اقتناص نبض التكنولوجيا فيها شكلا ومضمونا ومستويات تأثيره في هيكلة الرواية وعمق هذا التأثير في المحتوى السردي والفني.
أما الفصل الثاني: الرواية ذات الأصل/ الفكر الورقي والناقل التكنولوجي فقد اختص بتناول أشكال من الرواية ذات الفكر أو الأصل الورقي التي يتم تصفحها بناقل تكنولوجي؛ هو الكمبيوتر أو الأجهزة القارئة للكتب أو الهواتف الجوالة، وهي الروايات التي سبقت طباعتها ورقيا، أو التي يمكن طباعتها ورقيا، لأن فكرها التنظيمي لا يختلف عن تنظيم الروايات المطبوعة، ومنها “روايات المنتديات” اللون الجديد من الرواية في طريقة نشره.
وطرحت المؤلفة في الفصل الثالث: الرواية الرقمية، الرواية ذات الفكر والناقل التكنولوجيين، موضوعا له علاقة بالثورة الرقمية في الكتابة الجديدة، والتي احتلت مساحة كبيرة من اهتمام النقاد الحداثيين والكتاب الذي واكبوا متغيرات العصر الحديث وحاولوا التجريب في كتابة الرواية الرقمية.
هذا اللون الجديد الذي وصفته المؤلفة بالثوري من الرواية، حيث لا يمكن قراءتها وتصفحها بتفرعاتها وأصواتها وحضورها البصري المختلف إلاَّ على جهاز الكمبيوتر، وفي هذا الفصل تقدم الباحثة هذه الرواية الجديدة وتعريفاتها والخلافات حولها، وروادها غربيا وعربيا وبعض نماذجها الغربية، بالإضافة للتجارب العربية التي أثبتت حضورا لافتا في السنوات الأخيرة على الرغم من عمر التجربة القصير، ورصد هذا الفصل أيضا كيفية استجابة المتلقي العربي لهذا اللون من الرواية.
Prev Post
Next Post