عبدالباسط النوعة
رحل الفنان محمد علي قاسم عن الحياة لكنه لا يزال حاضرا ومتواجدا بيننا بتلك الأعمال الكثيرة التي أثري بها الساحة الفنية في بلادنا ، وبالرغم أن عمره الفني يفوق عمري بسنوات عدة إلا أنني ومنذ الطفولة وهذا الفنان يمتعني بأدائه ويسعدني بما يقدمه من إبداعات ، فطفولتي التي عشتها برفقة العم حكيم الذي كان يطل علينا عبر المسابقة العامة للأطفال هي ذات الشخصية التي تعلقت فيها والتي جسدها فناننا الراحل لتمر السنوات وأودع فيها مرحلة الطفولة إلى مرحلة أخرى وفي كل مرحلة أجد فيها هذا الفنان أمامي على الشاشة ممتعا وواعياً ومثقفا بقضايا المجتمع من حوله ، فبين المسابقة العامة للأطفال والمسلسل الرمضاني ( همي همك) سنوات طوال من العطاء والتألق ، عاشها الفنان الراحل متنقلا في أعماله متنوعا في أدواره ، ساعده في ذلك تعدد مواهبه وشدة إتقانه واندماجه في الشخصيات التي يجسدها مهما اختلفت وتباينت .
مسلسلات ومسرحيات كثيرة شارك فيها هذا الفنان شاهدنا معظمها لعل أبرزها مشاركته في تلك الملحمة التاريخية ( مسلسل الفجر) من خلال تجسيده لدور (حسين) ومسلسلات أخرى كثيرة نذكر منها ( المغامر ، ثلاثين في الذاكرة ، عودة مهاجر ، سعدية ، حكايات من حارة ، لحظة ندم ، سلسلة كيني ميني ، الحب والثار ، أشواق وأشواك ، وغيرها الكثير ) ومن المسرحيات نذكر جانبا منها ( مغترب إلى الأبد ، المنافق ، الصندوق ، القلاصات ، السفينة ، المهرج ، فلسطين الانتفاضة ، ادم الثاني ) وغيرها من المسرحيات والأعمال التي لا يتسع المجال لذكرها ولا تستطيع الذاكرة استرجاعها ، وكلها أعمال ستظل خالدة لتكتب بحبر لا يمحو تاريخ فنان مبدع كرس معظم حياته لإمتاع وتوعية الناس وإدخال البهجة والسرور إلى القلوب .
ومع أنني والفنان محمد علي قاسم ننتمي إلى منطقة واحدة غادرها قبل أن أولد ليلتحق بركب الفن الذي وجد نفسه تتوق إليه وحمل مع زملائه من الجيل الأول راية الدراما والمسرح في بلادنا لم أعرف هذا الفنان ابن قريتي (الرباط في ذي السفال إب ) عن قرب إلا عندما عملت محررا في الصفحة الفنية لصحيفة ( الثورة) وجدته إنسانا مليئا بالعطاء يحاول إمتاع من حوله حتى في حياته العادية وليس فقط في أعماله الفنية ، جميلة هي تلك الجلسات ( المقيل) التي كانت تجمعنا معه والتي لا تخلو إلا من شيئين المتعة والفائدة ، فالضحك يغلب عليها خاصة وهو فنان يجيد فن الفكاهة ويتقن التعامل مع الناس ويشتهر أيضا بإجادته للهجات البدوية وكذا المواويل البدوية الأصيلة التي لا تحلو إلا بصوته العذب المتضخم .
ما يقارب ثلاث سنوات من عمر هذا الفنان قضاها في صراع مرير مع الألم وإذا زرته وجدته مبتسما ضحوكا يحاول إمتاعك بكلامه ومزاحه كعادته برغم ملامح المرض البادية على وجهه والتي أنهكت جسده ، إلا أن إحساسه الفني يجعله يكابر ليواصل ما اعتاد عليه في صحته وعافيته وكأنه خلف الكاميرا .
كما أنه فنان يمتلك ثقافة عالية ومطلعاً على جانب من التاريخ والسياسة ولمن لا يعرف فالفنان محمد علي قاسم أحد مؤسسي الحزب القومي الاجتماعي أحد أحزاب التحالف الوطني .
كيف لا نرثي فنانا أحب الناس فأحبه الناس ، وأتذكر أنني وهو قبل سنوات من مرضه خرجنا في جولة حملتنا فيها أقدامنا إلى صنعاء القديمة وهناك اكتشفت مدى ارتباط الجماهير بهذا الفنان ومدى ارتباطه بهم ، فقد تحولت الجولة إلى لقاءات وحوارات وسلام واخذ الصور التذكارية مع الناس حتى مع الأطفال الذين كانوا يتجمعون حوله وهو بينهم سعيد مستمتع بهذا المشهد وأنا على العكس منه أتحسر على الجولة التي لم تتم كما كنا نريد وأذكر عبارة قالها حينها ( حب الناس هذا هو رصيدي الحقيقي ) وأتذكر جيدا أنني طلبت منه أن نعمل على تعويض جولتنا في وقت آخر بشرط أن يكون متنكرا .