الحب في زمن الجبهات
هل كان يتصور أنه لن يعود ليكلم محبوبته ؟
هل كان يتصور أنه سيعود ليكمل خطوبته ؟
هل كان يتصور أنه سيعود ليعقد القران ثم يعود ليعقد اللواء ؟
و هل كان يتصور أنه سيرحل و لن يعود ليرى طفله الذي تبقى لمسقط رأسه شهران ؟
هل كانت الحرب تظن أنها معقودة بنواصي الحب و العشاق الحالمين باكتمال بيتهم بيت الزوجية ؟
و هل كانت الجبهات تعلم أنها ستقطع أمعاء زهور ثكلى تفتحت على حكاية حب و حلم بالفستان الأبيض ثم انطفأت ؟.
مؤكد لم يكن معظم الصور مُصوراً .. و لم تكن معظم الظنون مظنونة. فقد جاءت آلة العدوان حصادة غير آبهة بأحلام العاشقين .. و غير آبهة بروايات حب حقيقية أفقدتها تلك الآلة استيفاء النصاب .
مؤكد آخر .. أن جبهات الدفاع و الذود في مواجهة عدوان ” سلطانة البق ” و من اجتمع معها على طاولة الحشرات لم تكن تعرف أنها ستضم غصوناً ممشوقة بالإباء و الصمود و الدم المبذول .. و هي تلك الغصون التي غادرت إلى جبهة القتال مع نذرين.. نذر معلن للمحبوبة بالعودة و لم الشمل ..و نذر معقود بالصمت بالثبات حتى الشهادة أو الظفر .
لم تكن الجبهات لتشرق لولا قلوب الأشداء على العدو الأحباء للأحباء المنتظرين في ردهات الليل وعلى نوافذ الحلم الجميل .
و لم تكن تلك الجبهات لتضيء العزائم لو أنها لم تحتمل تلك القلوب الخافقة بالحب و العشق.
و هل يجتمع الحب و حمل السلاح ؟
في واقع العشق نعم تجتمع .. بل هما صنوان في الذود و احتواء المحبوب .. الوطن المحبوب و المرأة المحبوبة .
و لولا العشق الذي يغشى فتية الجبهات لما صبرنا و لما تعلمنا الصبر .. و لولا قلوبهم العامرة حتى بعد رحيل بعضهم ومنهم من ينتظر لما وجدنا للحب رسماً و لا وسماً.
كان الحب في زمن الجبهات وقوداً.. و بقي..
و بقيت الجبهات في زمن الحب وقوداٌ .. حتى للقلوب المكلومة التي احترقت فأضاءت ما حولها و لم تحرقه.
و ربما كان هذا هو التخلق الذي يلي الاندثار و الانحسار و تراجع قيم الحب الحقيقي .. الحب الذي لا يعرف الحقد و لا يشتغل عليه و إنما يستبدله بالذي هو أعلى .. بالذود عن القلوب .. و بالدم .
و كما أن السلام لا يصنعه الضعفاء و لا الأرقاء ِ. فالحب لا يصنعه الضعفاء و لا الأرقاء و لا حمالو و حمالات حطب التسعير و التحقيد .
و أما القلوب الموجوعة بفقدان الحبيب شهيداً فتعلم تمام العلم أن كل معالم هذا الوجود ثابتة بفضل تضحية ذلك المفقود . و ربما كان في هذا عزها و تصالبها و عزاؤها.. و إن كان العزاء لا ينسي .