* للباحث الصوفي الشيخ عبدالناصر التيمي
خلال مرحلة السيطرة على العالم الإسلامي من قبل المستعمر خلال القرون الماضية أيقن المستعمر الغربي وخصوصا المخابرات البريطانية التي كانت الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس وكانت العديد من البلدان الإسلامية خاضعة لسلطانها وحكمها , بأنه لا يمكن هزيمة الإسلام مادام متماسكا في جبهته الداخلية ,وأنه لا بد لتحقيق حلمه بالقضاء على هذا الدين العظيم الذي كان يقف سدا منيعا أمام أطماعها , من ضرورة إيجاد ثغرة في المجتمع الإسلامي ينفذ من خلالها لتنفيذ مشروعه في هدم أركان هذا الدين وتمزيق الأمة الإسلامية .
ولذا فقد عملت وزارة المستعمرات على إرسال الجواسيس والعملاء الذين تم إعدادهم إعداداً خاصاً يناسب المهمة التي كلفوا بها , من إتقان اللغة العربية ومعرفة الكثير من المسائل الفقهية والشرعية , وذلك إلى الديار الإسلامية وبصورة أدق إلى الجزيرة العربية حيث المركز الذي انطلق منه هذا الدين العظيم .
وما إن وصل هؤلاء الجواسيس الجزيرة العربية , حتى بدأوا يراقبون الوضع فيها عن كثب , يتجولون من بلد إلى آخر , بحثاً عن ضالتهم المنشودة , فما إن سمعوا بشخص يُدعى محمد بن عبدالوهاب حتى هرولوا إليه مسرعين خوفاً من أن تسبقهم يد الأمة إليه تجتث وبائه الفكري وهو لا يزال في مهده .
فالتقى مستر هنفر(1) به لتبدأ بذلك المرحلة الأولى من ظهور هذا الفكر الشاذ والذي حصل على وعاء استخباراتي يعيش في أكنافه , بعد أن ظل منبوذاً خلال المرحلة السابقة , بسبب تصدي أقرب المقربين لمؤسسه وأفكاره الشيطانية ,وهم أبوه الذي كان يحذر الناس منه , وكذلك أخوه سليمان الذي ألف الكتب في الرد على أفكاره الشاذة.
فبدئت بذلك أول فصول المؤامرة على الأمة ودينها العظيم , حيث تحصلت بريطانيا على بغيتها الذي من خلاله استطاعت أن توقد سعيراً لا تزال أمتنا الإسلامية تكتوي بنيرانه حتى اللحظة .
فقام مستر هنفر بتسليم تعليماته لمحمد بن عبدالوهاب بعد أن عاش معه فترة من الزمن تكونت فيها صداقة متينة , استطاع فيها النفخ في جذوة تلكم الأفكار لترتفع نيرانها التي أغري بها الجهال والبدو فكانوا الرعيل الأول لهذا الفكر , وقد تضمنت تلكم التعليمات (2) التي رسمتها وزارة المستعمرات البريطانية الآتي : 1- تكفير كل المسلمين وإباحة قتلهم وسلب أموالهم وهتك أعراضهم وبيعهم في أسواق النخاسة 2- هدم الكعبة بحجة أنها آثار وثنية , إن أمكن ومنع الناس عن الحج وإغراء القبائل بسلب الحجاج وقتلهم .
3- السعي لخلع طاعة الخليفة العثماني ، والإغراء لمحاربته وتجهيز الجيوش لذلك، ومن اللازم أيضاً محاربة (أشراف الحجاز) بكل الوسائل الممكنة، والتقليل من نفوذهم.
4- هدم القباب والأضرحة والأماكن المقدسة عند المسلمين في مكة والمدينة وسائر البلاد التي يمكنه ذلك فيها , باسم إنها وثنية وشرك والاستهانة بشخصية النبي (محمد) وخلفائه ورجال الإسلام بما يتيسر.
5- نشر الفوضى والإرهاب في البلاد حسب ما يمكنه ذلك.
6- نشر قرآن فيه التعديل الذي ثبت في الأحاديث من زيادة ونقيصة.
ولقد وعد محمد بن عبدالوهاب مستر هنفر بتنفيذ كل الخطة السداسية , إلا أنه قال إنه لن يتمكن في الحال الحاضر إلا تنفيذ بعضها حيث استبعد قدرته على (هدم الكعبة) عند الاستيلاء عليها، كما استبعد قدرته على صياغة قرآن جديد وكان أشد خوفه من السلطة في (مكة) وفي (الاستانة) وكان يقول: إذا أظهرنا هذين الأمرين لابد وأن يُجهز إلينا جيوش لا قبل لنا بها، فقُبل عذره في حينه ,حيث لم تكن الأجواء مُهيئة كما قال لهم .
فبدأ بذلك محمد بن عبدالوهاب ينفث سمومه التي استهدف بها الجهلة بالدين ,من أعراب نجد والذين تقبلوا دعوته وأفكاره التي جاءت موافقة لنزعتهم العدوانية , حيث أباح لهم قتل المسلمين وسلبهم وأخذ أموالهم وسبي نسائهم .
إذ كفر الأمة واتهمها بالشرك وعبادة القبور , مستحلا دم كل من يجهر بالصلاة على سيدنا محمد وآله (3 )مانعاً التوسل بالحبيب الأعظم محرماً زيارته , متهكماً عليه ببعض العبارات والألفاظ التي نستحي من ذكرها هنا .
وبذلك فقد ظفر المستعمر البريطاني ببغيته في التسلل إلى هذا الدين لهدمه من داخله بتلكم الأفكار الشاذة ,فما أن وصلت التقارير إلى دوائر وزارة المستعمرات البريطانية حتى أرسلت له كافة وسائل الدعم المادية والعسكرية وغيرها , لتضمن بذلك حماية هذه النبتة الشيطانية , حيث أوعزت إلى عميلها أمير الدرعية محمد بن سعود (4 )في نجد باحتضان هذا الفكر وإيوائه .
وفي نجد حيث يطلع قرن الشيطان وجد محمد بن عبدالوهاب في كنف آل سعود المكان المناسب لنمو فكره وتحوله من مجرد فكرة يروج لها بين البدو والجهلة إلى فكرة دينية ذات غطاء سياسي يحتضنها نظام سياسي ويشاركها بها اقتسام السلطة.
وحينما استقامت الحركة على ساقيها بكثرة المعتنقين لها , بعد إيجاد الحاضن السياسي لها ممثلا بدولة آل سعود انتقلت الحركة الوهابية وتحت إشراف المخابرات البريطانية بل وبدعمها العسكري اللامحدود إلى مرحلة نشر الفكرة بالقوة .
تنفيذ المخطط
اتجة الجيش الوهابي يجتاح المدن والقرى (5 )بحجة تخليصها من الشرك والبدع , فسفك الدماء وأزهق الأرواح وارتكب أبشع المجازر الجماعية بحق المسلمين , وهدم أضرحة آل البيت والصحابة الكرام وأولياء الله في كافة الديار , بل تعدى الأمر إلى هدم الآثار النبوية , ليبلغ بهم التمادي في الغي والعدوان إلى محاولة هدم القبة الخضراء التي تحتضن أشرف خلق الله ,ولم يزجرهم ويمنعهم من ارتكاب تلكم الحماقة سوى موجة الاحتجاجات التي شهدها العالم الإسلامي خاصة في مصر والهند واللتين هددتا باجتياح معقل الدولة الوهابية ,فكان ذلك رادعا لهم عن هدم قبته صلى الله عليه وسلم .
الهوامش والمراجع :
1- ضابط استخباراتي بريطاني أرسلته المخابرات البريطانية للعمل في المنطقة العربية في بداية القرن الثامن عشر الميلادي , ادعى الإسلام , وأن اسمه هو محمد هنفر .له كتاب بعنوان مذكرات هنفر , ذكر فيها علاقته بمحمد بن عبدالوهاب وبينَّ فيها دور الاستخبارات البريطانية في صناعة هذا الرجل والترويج لفكرته بكافة الوسائل.
2- أخذنا هذه المعلومات من مذكرات مستر هنفر .
3- أورد أخيه سليمان بن عبدالوهاب في كتابه الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية , قيام محمد بن عبدالوهاب بقتل رجل كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم جهرة .
4- لمعرفة علاقة المستعمر البريطاني بمملكة آل سعود فعليه مراجعة كتاب تاريخ آل سعود لناصر السعيد ,أو مذكرات جو فلبي المُسمى بتاريخ نجد ,حيث كان يعمل جون فلبي وهو جاسوس بريطاني أظهر الإسلام وتسمى باسم عبدالله مستشارا لعبدالعزيز آل سعود ,.
5- حيث استطاعت الحركة الوهابية وبفضل الدعم المالي والعسكري البريطاني من التمدد في كافة الجهات ,حيث هاجموا الكويت سنة 1788م واحتلوها، ثم واصلوا تقدمهم إلى الشمال حتى حاصروا بغداد، وكانوا يريدون الاستيلاء على كربلاء، وعلى قبر الحسين رضي الله عنه لهدمه ومنع زيارته. ثم في نيسان سنة 1803م شنّوا هجوماً على مكة واحتلوها، وفي ربيع سنة 1804م سقطت المدينة المنورة في أيديهم، فخربوا القباب الضخمة التي تظلّل قبر الرسول ، وجرّدوها من جميع النفائس.
وبعد أن انتهوا من الاستيلاء على الحجاز كله ساروا نحو الشام، وقاربوا حمص. وفي 1810م هاجموا دمشق كرّة أخرى كما هاجموا النجف. وقد دافعت دمشق عن نفسها دفاعاً مجيداً. ولكن الوهابيين مع محاصرتهم لدمشق انطلقوا نحو الشمال وبسطوا سلطانهم على أكثر أراضي سورية حتى حلب , وكل ذلك مؤشر على أن الجيش الوهابي لم يكن جيشاً عادياً بل جيش قدم له المستعمر البريطاني من الإمكانيات التي مكنته من ذلك الاتساع سواء الفكري أو الميداني العسكري .
* ملتقى التصوف الإسلامي