الثورة/ أسماء حيدر البزاز
(الراحمون يرحمهم الله) .. هذا هو ديننا دين المحبة والإحسان والعطاء، دين التراحم والتعاون والإخاء – جسد تلك المعاني القيمة نبي العدل والرحمة محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في حله وترحاله، حتى مع الحجر والشجر وبذلك أسر القلوب على محبته وطاعته وهديه وسار على نهجه الأولون والآخرون ممن اقتدوا به وبنهج رحمته في كل معاملاتهم عن أهمية التراحم بين أفراد المجتمع.
تحدث العلامة عبدالحليم القريطي مستهلاً حديثه بقول المولى عز وجل (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ) وقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء) .
وأضاف: هذا هو دين السماحة والعفو والرحمة والتناصر والتآزر، فالغني يرحم الفقير، والقوي يرحم الضعيف، والقادر يعطي للمحتاج والعالم بعين التائه والحائر، الكل يكمل بعضه بعضاً لأنه كما قال نبينا كالجسد الواحد ولا يتحقق هذا المعنى إلا بتجسيد ثقافة التراحم والتعاون والعطاء وتذكروا قول نبيكم الأكرم (لا يرحم الله من لا يرحم الناس).
كالجسد الواحد
من جانبه يقول العلامة محمد زيد: إن صفة التراحم والرحمة في العبد لدليل على الدين والإيمان في قلب العبد وباب عظيم لتقوية العلاقات والإخاء بين صفوف المجتمع وعلاقة أبنائه بعضهم بعضا، وقد دعا النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم على القاسي غليظ القلب والطباع بقوله: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم، فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به) ودعوة ديننا لتكريس هذه الصفة الجليلة العظيمة هو إفشاء للمحبة والعدالة بعيداً عن الظلم والقسوة والجفاء والغلظة والتي تترتب عليها تداعيات سيئة، وما تمر به اليوم أمتنا وتعاني منه جراء من تصرفات وأفعال وصلت إلى الطعن والفتك والقتل والذبح والسحل والتنكيل والبطش بين أبناء الأمة الإسلامية لخير دليل وشاهد على ذلك، وهو نتاج لما ابتعدنا عنه من رحمة وتراحم حتى غدا المسلمون كالذئاب يتكالبون على بعضهم البعض، فأين هي الرحمة في قلوبهم!! وأين هم من شريعة النبي وهديه والذي قال الله فيه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
مشاهد ومآثر
من جانبه استدل العلامة إبراهيم العلفي بمواقف من رحمة النبي بأمته والأطفال والضعفاء وحتى الحيوانات مستهلاً ذلك بقوله: عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي)، وقال عيسى عليه السلام (إن تعذبهم فإنهم عباد وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) فرفع يديه وقال: (اللهُم أمتي أمتي) وبكى، فقال الله عز وجل (يا جبريل اذهب إلى محمد – وربك أعلم – فسله ما يبكيك)؟ فأتاه جبريل عليه السلام، فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما قال وهو أعلم، فقال الله (يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك).
وأما رحمته بالعيال فقد ثبت في صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا رسول صلى الله عليه وآله وسلم مرة أبا بكر فاستعذره من عائشة، فبينما هما عنده قالت: انك لتقول: إنك لنبي! فقام إليها أبو بكر فضرب خدها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (مه يا أبا بكر ما لهذا دعوناك).
أما رحمته بالأطفال فقال أنس بن مالك رضي الله عنه: دخل النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: يا بن عوف، إنها رحمة) ثم أتبعها بأخرى وقال ( إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون).
ورحمته بالجاهل فكانت كما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس، فنهاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذنوب من ماء، فأهريق عليه).
وفي رواية أن الاعرابي قال: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحد، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لقد تحجرت واسعا).
وعن رحمته صلى الله عليه وآله وسلم فروى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إني لأدخل في الصلاة أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأخفف من شدة وجد أمه به) والوجد يطلق على الحزن وعلى الحب أيضا وكلاهما سائغ هنا.
ومن صور هذه الرحمة بهن أن امرأة سوداء كانت تؤم المسجد، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأل عنها، فقالوا ماتت، قال: (أفلا كنتم آذنتموني) فكأنهم صغروا أمرها فقال (دلوني على قبرها) فدلوه، فصلى عليها ثم قال (إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم) فجاء قبرها فصلى عليها.