إنها دماؤنا … شيعي وسنِّي

 

د. أحمد صالح النهمي

عبثا يظن الحاكم المستبد أن إعدام العلماء والمفكرين وأصحاب الرأي يمكن أن يشكل نقطة النهاية لأفكارهم وآرائهم، وهذا الظن الآثم يعاكس منطق حقائق التاريخ السياسي الذي أثبتت أن إعدام رواد الكلمة وحملة الأفكار إنما يمثل حياة جديدة لأفكارهم في أوساط مجتمعاتهم، ويمنحها احتراما وقداسة بين أتباعهم يتوارثها من يتلونهم من الأجيال المتعاقبة، فيما يسقط الحاكم المستبد ويتلاشى نفوذه واللعنات تلاحقه جيلا بعد جيل .
من بين كثير من المنشورات الفيسبوكية التي علقت على جريمة إقدام المملكة السعودية على إعدام الشيخ نمر النمر أعجبني منشوراً مختصراً لا يتجاوز ثلاثة أسطر لأستاذتنا الدكتورة وجدان الصائغ قالت فيه: “ماحصل اليوم للنمر هو تعبير دقيق لحرية الكلمة .. وهو تلخيص لقيمة الإنسان الأعزل … ما يحصل لا يدخل ضمن ضيق الأفق الديني الذي يحدد بغباء شيعية الحدث أو سنيته … إنها دماؤنا التي تسيل … لافرق فيها بين شيعي وسني”
يجب أن نتخلص في إدانتنا لأحكام الإعدام الصادرة بحق المفكر والمبدع وصاحب الرأي من ضيق الأفق الديني، فلا فرق بين أن يكون الشيخ النمر شيعياً أو سنياً أو علمانيا أو غير ذلك، وأن يكون النظام الذي أعدمه ملكياً أو جمهورياً، وأن ننطلق في الإدانة من الإيمان بأن الاعتداء على حق الإنسان في الحياة، هو اعتداء على إنسانيتنا، وأن المحاكمات السياسية وقمع الحريات والنضال السلمي وإصباغها بأثواب المذهبية والطائفية لن يخدم سوى القوى الاستعمارية التي تسعى إلى إحراق المنطقة بنيران الصراع المذهبي .
منذ عامين أو أكثر قليلاً استمعت إلى بعض التسجيلات الصوتية لهذا الشيخ الجليل، وهو يتحدث عن الحرية السياسية كمدخل للحرية الفكرية، وأن حق الشعوب في اختيار حكامها هو مقدمة الحرية السياسية، مستشهداً على ذلك بما جاء في الذكر الحكيم من الآيات القرآنية التي تؤكد على حق الإنسان في حرية الاختيار كقوله تعالى :”فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..”وقوله جل شأنه :”لست عليهم بمسيطر” وغير ذلك من الطروحات الفكرية المستنيرة التي تتجاوب مع ما يطرحه كبار المفكرين العرب والمسلمين منذ مطلع القرن العشرين حتى اليوم.
لعل أهم ما يميز الشيخ النمر هو أنه لم يكن موارباً في رفض السياسة القمعية التي تنتهجها الأسرة الحاكمة في المملكة، بل كان صوته عاليا يتجاوز بمسافات ضوئية السقف المسموح به في نقد النظام الذي لم يسمح بعد للمرأة السعودية أن تأخذ حقها الطبيعي في قيادة السيارة، حتى لو كانت تحمل رخصة قيادة دولية، فلم يتحمل هذا النظام من الشيخ النمر جرأته في نقد أخطائه، ورفض سياسته القمعية فسعى التخلص منه .
إقدام السلطات السعودية على إعدام الشيخ النمر لا يمثل سوى حلقة من سلسلة السياسة الغبية الهوجاء التي افتتحها الطاقم الجديد للنظام السعودي بالحرب على اليمن منذ عشرة أشهر، اقترف خلالها أبشع أنواع الجرائم التي لا مثيل لها في تاريخنا المعاصر، وغير ذلك من السياسات التي تبرهن على عمى هذا النظام وارتهانه للقوى الاستعمارية وخدمة أجندتها في المنطقة، على حساب التسريع في زوال المملكة وسقوط عرشها ، وصدق الله القائل “وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً” سورة الإسراء الآية 16.

قد يعجبك ايضا