عدن حلم بريطانيا الأزلي وشُقاة السُخرة
أحمد يحيى الديلمي
في بداية استهلاله للحديث استشهد بهذا البيت :
عدنٌ دارنا وإن هي إلا بنت أم الشموس والأيام
رحم الله الشاعر الكبير المرحوم يحيى علي البشاري سأله ذات يوم فنان اليمن الكبير الراحل محمد مرشد ناجي: الملاحظ أن كل قصائدك لا تخلو من التنويه إلى مدينة عدن كأهم المدن اليمنية المكملة لدور صنعاء العاصمة التاريخية لليمن الموحد، ألا ترى أنك تقرر حقيقة ثابتة مفادها أن اليمن لم ولن يكون إلا واحداً وموحداً وأن ظروف التشطير استثنائية ستزول بإصرار وعزم الشرفاء من أبناء الوطن.
أليس من الأجدى تبصير العامة واستنهاض هممهم لتصب الجهود باتجاه صنع هذا الحلم ؟ تشعب النقاش بمشاركة الشاعر الكبير المرحوم الأستاذ محمد سعيد جراده والأستاذ المؤرخ المعروف المرحوم الأستاذ سلطان ناجي والأستاذ الشاعر الكبير المرحوم عبدالله سلام ناجي، والمرحوم البشاري كان صامتاً يتابع الحديث بتركيز واهتمام إلى أن أحس بنظرات الجميع تحثه على المشاركة انبرى قائلاً ” الحقيقة أنا على يقين تام أن الوحدة ستتم والمسألة مسألة وقت، هي الهوية والمصير وصمام أمان للثبات الاستقرار وضمان الاستقلال والسيادة الوطنية ما أخشاه هو من الأحداث التي ستعقب إعادة اللحمة الوطنية بإعادة تحقيق الوحدة.
بريطانيا ليست سهلة ولن تتخلى عن حلمها الأزلي في الاحتفاظ بعدن كموقع هام ومنفذ بحري استراتيجي هي في الظاهر غادرت عدن من الباب والخشية أن تعود من النافذة، أكد نفس المخاوف المؤرخ الأستاذ سلطان ناجي أسهب في الحديث عن الاستعمار الجديد بطرقه وأساليبه والأدوات التي يراهن عليها قائلاً : لا ننسى أن وجود بريطانيا المباشر لم يفلح في تمزيق النسيج الاجتماعي أو تعميق الانقسام بين اليمنيين على أساس مناطقي أو مذهبي مع أنه حاول وبذل أموالا طائلة من أجل هذه الغاية إلا أن تآلف اليمنيين وحالات التسامح السائدة بينهم أفشلت كل المحاولات.
هذا الفشل الذريع أزعج بريطانيا ودفعها إلى البحث عن وسائل أخرى ، فبادرت إلى دعم وتشجيع بعض الحركات والجماعات المعروفة بالإنغلاق والتطرف وتحويل المذاهب الإسلامية إلى دكاكين لبيع السياسة والمتاجرة بالأخلاق والمبادئ.
هذه باختصار مرحلة ظهور جماعة الإسلام السياسي ، حيث أدعت كل جماعة أنها اهتدت إلى الحقيقة وتفردت بمضمونها وأن الأخرين إما فسقة أو كفرة أو مرتدين.
هذا التحول المريب في مسار العقيدة والأمة مثل نقطة الخطر التي مكنت بريطانيا ومعها أمريكا من تحقيق ما فشلت فيها بالأمس بقوة السلاح أكتفي بما أسلفت من الحوار ، حيث استحضرت هذه المفردات من رفوف الذاكرة عند سماع تصريحات وزير الخارجية البريطاني وهو يعلق على رفض أنصار الله وبعض القوى السياسية لفكرة الأقاليم الستة – بدا الرجل في حالة هستيرية شديدة تكلم بنزق كأنه يدافع عن هدف خاص أو مصلحة ذاتية وصف القوى الرافضة بالتخلف وأنها كابحة للنمو والاستقرار إلى غير ذلك من العبارات التي لا تليق بوزير خارجية دولة عظمى، ثم ما لبثنا أن اكتشفنا أن التصريح لم يكن سوى مقدمة مهيئة للعدوان الهمجي السافر وإعطاء الضوء الأخضر لقاعدة ما سمي بقوى التحالف المساندة للسعودية.
الأساليب الحقيرة التي رافقت الحرب القذرة بما في ذلك التهويل والتعتيم والخداع وشراء الضمائر فضحت دور بريطانيا الخفي بشكل مباشر أو من خلال أمريكا وإسرائيل، هنا تأكدت مصادقية حدس وتوقعات أولئك الأفذاذ المناضلين وأثناء متابعتي للفوضى وحالة الانفلات السائدة في عدن والجماعات المتناحرة بلا غاية ولا هدف سوى التدمير وتأجيج الصراعات والفتن وسفك دماء الأبرياء بلا أي سبب والتعامل بكل قسوة وغلظة مع أبناء عدن المساكين .
كل هذه الظواهر الغريبة والمستوردة على مجتمعنا اليمني المسالم فضحت مسعى بريطانيا وكشفت دورها الخفي .
ما يثير السخرية والشفقة معاً ويكشف عن سخافة الحال وعظم السكرة لدى دول التحالف المشبوهة هي حالة تصفية الحسابات بين هذه الدول التي قدمت إلى اليمن على صهوة الوهن وأجنحة الزيف وكشفت الأيام سوء مآلها ومع ذلك لا تفتأ تتحدث عن تقاسم مناطق النفوذ وتتصارع على الحصة من اليمن بالذات ما يجري بين السعودية والإمارات ، كل طرف يعبث في إنفاق المال ويبدد مقدرات شعبه عله يظفر بموضع قدم قبل أن يستأثر به الآخر غير مدركين أن المستفيد الحقيقي من كل ما يجري هو من يرقب الموقف من بعيد ويكتفي بضمان صمت العالم وصياغة مسودة قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بدافع التغطية ولفت الأنظار عما يجري من مجازر ومآسٍ في اليمن حتى يكتمل السيناريو فيتم الاستئثار والسيطرة بدوافع إنسانية .
ما يجب أن يدركه هؤلاء المشعبون أنهم يعيشون مجرد كوابيس وأحلام يقظة ستتلاشى لا بفعل التآمر البريطاني ولكن من خلال صمود أبناء شعبنا اليمني وتضحياته واستبسال المقاتلين الأبطال من أبناء الجيش واللجان الشعبية وبتضامن شعبنا اليمني معهم، هؤلاء جميعاً سيفشلون الخطط ويبددون الأحلام الزائفة لدى الأعداء، ما يجب أن يدركه الجميع أن اليمن عصية على المؤامرات وسيفضح غباء أصحاب المشالح والعقالات عما قريب سيعرف المعتدون أنهم كانوا مجرد شقاة سُخرة، استرخصوا دماء اليمنيين خدمة للآخرين وأنهم مثل فقراء اليهود لا كسبوا في الدنيا ولن ينجوا من عذاب الآخرة .. إن شاء الله