توزيع القبائل على منطقة الحدود

(المعاهدات اليمنية مع السعودية) باطلة ولاغية في ظل تكرار العدوان (3_4)

 

د.حسين محمد مطهر
إن أصول القبائل في شبه الجزيرة العربية من القبائل القحطانية والعدنانية, وبالرجوع إلى المؤرخين وآخرين, فإن القبائل اليمنية في الوقت الحاضر تعود إلى قبيلة قحطان كما أن القبائل الحجازية تنحدر من سلالة قبيلة عدنان, ولكن القبائل القحطانية انتشرت عبر السنين في جميع أركان شبه الجزيرة العربية….
إلا أن هناك الكثير من الكتب السعودية حاولت الإشادة بالأسلوب المفصل في تصنيف القبائل وهو ما أشارت إليه معاهدة الطائف 1924م. حيث استخدمت تاريخاً معيناً اتفقت عليه, الدولتان وهو عام 1933م. والقبائل التي ثبت أنها تحت سلطة أي من الدولتين قبل هذا العام فهي تابعة لتلك الدولة.

وكما تنص المادة الرابعة من معاهدة الطائف الموقعة عام 1934م على أن: خط الحدود الذي يفصل بين اليمن والسعودية بحيث يعتبر هذا الخط حداً فاصلاً قطعيا بين البلاد التي تخضع لكل منها حيث نصت على أن: هؤلاء المذكورون في بلادهم بحدودها المعلومة وكل ما هو بين الجهات المذكورة وما يليها ما لم يذكر اسمه ممن كان مرتبطا ارتباطا فعليا أو تحت ثبوت يد المملكة اليمنية قبل 1933م كل ذلك هو جهة يمين الخط المذكور فهو من المملكة اليمانية .
هؤلاء المذكورون في بلادهم بحدودها المعلومة وكل ما هو بين الجهات المذكورة وما يليها ما لم يذكر اسمه ممن كان مرتبطا ارتباطا فعليا أو تحت ثبوت يد المملكة العربية السعودية قبل سنة 1352هـ 1933م. كل ذلك هو في جهة يسار الخط المذكور من المملكة العربية السعودية.
وفي تحليلنا لهذه الفترة وتحديدا عام 1933م. عندها قبل الإمام بمعاهدة الطائف عام 1934م. كان على يقين بأن هذه الأراضي يمنية وستعود إليه آجلاً أو عاجلاً ولم يكن يعلم بموالاة القبائل الحدودية لابن سعود والدخول معه في تحالفات ضد الإمام يحيى . لقد تم تحديد الحدود القبلية بين اليمن والسعودية على ثلاثة أقسام, هي:
القسم الأول: القطاع الغربي:
بالاتفاق مع شيوخ القبائل الحدودية عن وصف مناطقهم القبلية وحدودها باستخدام أسماء المدن والقرى والمظاهر الجغرافية المختلفة, وتدوينها في محاضر موقعة من شيوخ القبائل وقد استغل الجانب السعودي لصالحه في نقل معلومات من خريطة الجمهورية اليمنية الصادرة عام (1992م) موضحاً عليها علامات الحدود القبلية التي تم الاتفاق عليها بين شيوخ القبائل من الجانبين.
وتوضح الخريطة توزيع القبائل في القطاع الغربي حيث يتضح بأن هناك ثلاث قبائل متاخمة للحدود والواقعة في هذا القطاع وهي قبيلة (يام) وقبيلة (وائلة) وقبيلة (دهم). ولذلك يتبين أن الحدود القبلية. هناك فروقات واضحة بين مطالب الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية والحدود القبلية, بين قبيلة (يام) والقبائل الأخرى قبيلتي (وائلة) و (دهم) تقع إلي الجنوب من المطالب اليمنية القصوى.
كذلك هناك منطقتا خلاف بين القبائل الثلاث في القطاع الغربي قبيلتي (وائلة) و(يام) في (وادي العطفين) وبين قبيلتي (يام) و(دهم) في(الرملة).
القسم الثاني: القطاع الأوسط:
تنشر القبائل في منطقة الحدود – القطاع الأوسط توجد قبيلة في القطاع تعود إليها القطاع وهي قبيلة الصيعر. وقد أوضحت حكومة محمية عدن عام 1933 بانتماء قبيلة الصيعر إليها حيث جاء في إحدى الوثائق النص الآتي:
“القبائل التالية تنتمي إلى محمية عدن في الحدود الشمالية من الغرب إلى الشرق, الكرب ..,(الصيعر)…(1)”.
الحكومة السعودية تدعى بأن قبيلة (الصيعر) إحدى قبائلها حيث وضح ذلك الأمير فيصل بن عبدالعزيز (الملك فيما بعد) على النحو التالي : “طالب الأمير فيصل البريطانيين بأن (العبر) في الجنوب لمنطقة قبيلة (الصيعر ) ,كانت تتبع لجلالة الملك والده في القرن الماضي”(2) مع أن معظم أفراد قبيلة (الصيعر) وشيوخها يعيشون على أرضهم المعروفة عبر التاريخ أرض الجدود وتتبعهم مدينتي(الشرورة والوديعة )اليمنية والتي أصبحت تحت السيادة السعودية .

ومن الواضح بأن قبيلة الصيعر قد قُسمت بين الدولتين اليمن والسعودية ويدين أفراد قبائل (الصيعر) الذين يعيشون على الجانب السعودي بالولاء للمملكة العربية – بحجة أن قبائل الصيعر كانت تدفع الزكاة للحكومة السعودية ما بين 1946-1962م وهذه حجة ضعيفة لأن القبائل كانت تدفع الزكاة لهم مقابل الحماية لهم ولأملاكهم من الغارات الغازية عليهم وأحيانا كانت تدفع بالقوة والتهديد لأن الوضع الاقتصادي للحكومة السعودية الناشئة كان في وضع لا يحسد عليه وبعد التقسيم لقبيلة الصيعر تبين بأن لهم أراضي تحت الحكم اليمني , وأهم هذه الأراضي هي قبيلة (الصيعر) الواقعة قي الجانب اليمني هي (العبر) و(الحجر) و(ريدة الصيعر) و(وادى حزر) و(عبوة الصيعر) هناك بعض أفراد ثلاث قبائل أخرى تعيش وسط
قبيلة الصيعر ولكن أراضي قبائلهم تقع بعيداً عن المطالب السعودية مثل قبيلتي “الكرب والبريك” وكلتاهما فرعان من قبيلة “بالعبيد” ومعظم أفرادهما يعيشون في مدينة الوديعة.
ومما سبق يتضح بأن توزيع القبائل في هذا الجزء قد تضرروا من هذا التقسيم مما صعب عملية التنقل بين أبناء تلك الماطق وذويهم في المناطق السعودية المتاخمة.
القسم الثالث: القطاع الشرقي:
تم توزيع القبائل في القطاع الشرقي، حيث يظهر امتلاك قبيلتي “المناهيل والمهرة” معظم أراضي القطاع الشرقي إضافة إلى قبيلة “الصيعر” التي تملك أراضي في غرب القطاع ومعظم أراضي قبيلة الصيعر في القطاع الأوسط كما سبق الإشارة إليه في مدينتي “الشرورة والودييعة” في الجانب السعودي وقريتي “العبور وريدة الصيعر” في الجانب اليمني.
ويوضح الشكل الخاص بتوزيع القبائل في منطقة الحدود اليمنية – السعودية بأن هناك مناطق متنازع عليها بين قبيلة “المناهيل” وقبيلتي “المهرة، والصيعر” أن أراضي هذه القبائل الثلاث مقسمة بين المملكة العربية السعودية والجمهوية اليمنية، بدون مراعاة أو وضع اعتبار لرغبات شيوخ القبائل , وهناك يمنيون وسعوديون من القبائل الثلاث يعيشون في القطاع الشرقي وولاء أفراد القبائل يتبع جنسياتهم كما يبدو.
ويعتقد بعض شيوخ القبائل بأن أولئك الذين يعيشون على الجانب اليمني يفضلون العيش تحت الحكم السعودي حيث المستقبل أفضل من الناحية الاقتصادية والأمنية.
ويرى الباحث بأن سكان منطقة الحدود في الجانبين اليمني والسعودي يعيشون في أوضاع سيئة نظراً للفقر وعدم توفر مشروعات المياه الصحية والطرق والمستشفيات والتعليم والكهرباء والسكن المناسب وغيرها من احتياجات المواطنين ومتطلباتهم من المشروعات التنموية.
وقد ذكر “فيلبي” مستشار الملك عبدالعزيز آل سسعود بأن قبيلتي “المناهيل والصيعر” يعود ولاؤهم لابن سعود، لأنه شخصياً لعب دوراً كبيراً في جذب واستمالة شيوخ القبائل إلى جانب ابن سعود عن طريق قيامه بطلعات سرية واستشكافية للبحث عن الأراضي الغنية بالماء والزراعة والسكان لضمها إلى مملكة ابن سعود، إلا أنه من معرفة الولاء القبلي وقياسه، يعلم الجميع بأن قبائل الصحراء العربية كانت تدين بولائها للحاكم أقوى الذي يتمكن من حماية القبائل وبمدها بالسلاح والعتاد، وهذا الأسلوب استخدمه الملك عبدالعزيز تجاه جذب القبائل اليمنية على طول الحدود اليمنية – السعودية.
أما في الوقت الحاضر فإن ولاء القبائل قد يكون مرهوناً بما توفره الدولة لمواطنيها.
أما في الوقت الحاضر فإن ولاء القبائل قد يكون مرهوناً بما توفره الدولة لمواطنيها من مشروعات تنموية ورخاء اقتصادي، وللتأمل في الوضع الاقتصادي السعودي الغني إلا أن سكان مناطق الحدود السعودية – اليمنية، في جيزان ونجران وعسير، تعد من المناطق السعودية الأكثر فقراً(1)، وأكثرهم هم حاجة لمتطلبات الحياة الضرورية “المأكل والمشرب والسسكن” وغيرها.
يلاحظ من نص المادة الرابعة من اتفاقية الطائف أن التنازل كان مفروضاً بالقوة على الجانب اليمني ولم يكن تنازلاً متبادلاً –لأن النص حدد وعدد المناطق المحتلة من قبل ابن سعود وأرغم الإمام على التنازل عنها وإلا سيتم التوسع في المزيد من الأراضي اليمنية وهنا تهديد مباشر للنظام مفاده بأنه سيخسر المزيد من الأراضي إذا لم يترك لابن سعود ما يريد، وقد أثبت ذلك ابن سعود على أرض الواقع حيث كانت قواته تتوغل وتفاوض وما وقع تحت يدها اعتبر من نصيبها ثم يفاوض سعياً لإقرار المكاسب التي حققها وكأن العالم يخضع حينذاك لشريعة الغاب ولأن الجانب اليمني كان عاجزاً عن إيقاف التوسع السعودي فقد اكتفى بعدم الاعتراف بالأمر الواقع وظل يرفض التوقيع على اتفاق حدود لا يتضمن عودة عسير وجيزان وما حولها إلى السيادة اليمنية.
والتقسيم بهذا الشكل العشوائي، ربما يعود إلى الوضع الدولي في العشرينيات عندما اختل التوازن الدولي وإنهاء نظام القطبية الثنائية بتفكيك الدولة العثمانية، فسيطر قطب واحد بريطانيا على مجريات الأمور في كل شبه الجزيرة العربية.
وفي التسعينيات اختل التوازن الدولي بتفكك “الاتحاد السوفيتي” فأصبحت أمريكا القطب الدولي الوحيد.
وفي كلتا الحالتين كان الاختلال الدولي في صالح السعودية، فالقطب الذي برز في الحالتين ترتبط معه بعلاقات وثيقة – ولكن بينما كانت السعودية أداة بريطانيا في القضاء على القوة المعادية لها أو تحجبها، وهاهم الأمريكيون الذين لم يكن لديهم حتى قنصل في الخليج عام 1941م. بدأوا في الظهور وكحليفها الأساسي (2) ولكنهم لم يكونوا بحاجة إلى أداة إقليمية للقضاء على خصومها فهي تقوم بذلك بصورة مباشرة مع الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والحيوية في السعودية ودول الخليج، وبينما كانت الدولة اليمنة في حالة حرب مع القطب الذي برز في العشرينيات “بريطانيا” فإن علاقتها تبدو طبيعية مع القطب الذي برز في التسعينيات، فقد سبق لأمريكا أن سارعت إلى الاعتراف بالنظام الجمهوري ودعمه في الستينيات، كما أنها لم تقف ضد الوحدة اليمنية في التسعينيات ومناصرتها في عام 1994م.
نجد على الرغم من أن منازعات الحدود المثارة في شبه الجزيرة العربية على نحو جدي لم تكن من الكثرة بمكان إلا أن إمكانات ادعاء مطالب حدودية أو جعلها غير متسقة مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي لكيانات الجزيرة العربية فضلاً عن تعارض هذه الحدود مع متطلبات التواصل والاتصال بين أفراد القبائل الواحدة التي مزقتها الحدود، مثلما حصل لتوزيع القبائل اليمنية – السعودية، الأمر الذي جعل ابن سعود يستغلها لصالحه في مطالب حدودية داخل الأراضي اليمنية – السعودية، الأمر الذي جعل ابن سعود يستغلها لصالحه في مطالب حدودية داخل الأراضي اليمني مع أن ما قام به يعتبر اعتداء وعزواً وسعياً بعد ذلك إلى إقرار الأمر الواقع والحصول على اعتراف الإمام بشرعية تواجده، بينما طالب الجانب اليمني بإعادة المناطق المحتملة إليه.
وهناك أيضاً الأسباب القانونية المتمثلة في عدم دقة الكثير من الاتفاقات والمعاهدات الخاصة بالحدود في شبه الجزيرة العربية وتعارض تفسيراتها، ويضاف إلى هذا وذاك الأسباب السياسية والتي يمكنها في كثير من الحالات إثارة نزاعات حدودية انطلاقاً من ادعاء ضرورة مراجعة الحدود المفروضة من قبل الاستعمار البريطاني، وفي ضوء تنوع وتعدد أسباب مشكلات الحدود مابين أسباب جغرافية وتاريخية وقانونية واقتصادية واجتماعية وسياسية فإنه من الصعب – إن لم يكن من المستحيل- القول بسبب واحد لهذا الخلاف أو ذاك مما تشهده اليمن – والسعودية حيث تترابط وتتداخل الأسباب المؤدية للنزاع وإن تفاوتت قوة التساند والترابط من مشكلة إلى أخرى.
ويمكن توضيح تلك السمة بالإشارة إلى طابع الانتشار عبر الحدود السياسية للقبائل ذات الأصول الواحدة، فمثلاً قبائل “المطران” و”الحروب” والشمر والهواجر والنعيم والشوامس والعوامر والمناصير و”العجمان” و”المرة” وهي جميعها من اليمن(1)، ولكنها منتشرة في جمع دول الجزيرة العربية كما تمثل الأغلبية في بعض الدول كالكويت والسعودية.
وعلى الرغم من أن هذا البعد يندرج في إطار الأسباب لقضايا الحدود, إلا أنه في كثير من الأحيان ترتبط به أبعاد اقتصادية وسياسية بل وعسكرية.
يؤدى الترابط الاجتماعي بين أبناء القبيلة الواحدة المقسمة عبر الحدود إلى قيام علاقات وصلات اقتصادية بين الجانبين على نحو مشروع كإقامة مزارع مشتركة أو تبادل المنتجات والنقل عبر الحدود سعيا وراء الماء والعشب فيما يتصل بالرعي, ويمكن أن تسفر عن صلات اقتصادية سلبية غير مشروعة وذلك حينما تلجأ القبائل الحدودية إلى العمل في مجالات تهريب البضائع أو غير المشروع مثل المخدرات وكذلك الأسلحة وغيرها عبر الحدود الأمر الذي قد يؤدي إلى التقويض السياسي والاقتصادي وعدم استقرار الأمن.
وعلى الصعيد السياسي فإن حركات الهجرة القبلية عبر الحدود وما يصاحبها من حوادث حدودية تؤدى في كثير من الأحيان إلى خلافات سياسية قد ينتج عنها إغلاق الحدود المشتركة وتدعيم نقاط المراقبة والحراسة الحدودية , الأمر الذي يسفر بدورة عن تعميق واقع التمزق الاجتماعي والاقتصادي للقبائل الحدودية على نحو يقترب من تشكيل حلقة مفرغة لهذه المشكلات.

**هوامش:
(1) كتاب 26 سبتمبر , معاهدة الطائف وملحقاتها , مرجع سابق , ص 47.
(2) مجلة الوطن، السعودية، الثلاثاء 2 /5 /2006م، العدد (2041) لمزيد من التفاصيل حول أوضاع سكان الحدود راجع: www.alwatan.com.
(3) جون.س.وليينكسون، حدود الجزيرة العربية، مرجع سابق، ص450.
(4) محمد عاشور مهدي، الحدود السياسية، القاهرة: مركز دراسات المستقبل الأفريقي، (د.ن)، (د.ت)، ص122.

(5) SchofieId .R.N (ed) Arabian Boundaries .(1993):
(6) New Documents. Vo3.Op. cit.p.538 (1)
(7) Wilkinson .J. C. Arabia’s Frontiers (1991) :The story of Britain’s Boundary Drawing in (2)
(8) Desert. London. I.B. Tauris.Op. Cit. p. 214

قد يعجبك ايضا