أمريكا ومشروعها القادم: أقلمة اليمن أم تفكيك السعودية؟
عبدالرحمن هاشم اللاحجي
ظلت المملكة السعودية طيلة الفترة الماضية بتدخلاتها اللاعقلانية وغطرستها غير المقبولة وتعسّفاتها اللاهوتية في اليمن والشرق الأوسط بصفة عامة عُرضة للابتزازات الاقتصادية والسياسية الأمريكية فمع انطلاق شرارة الثورة اليمنية في مطلع العام 2011م لعبت المملكة السعودية دورا محوريا وأساسياً في تنفيذ السياسة الأمريكية التي هدفت إلى تجريد الثورة اليمنية وإفراغها من أهدافها وثوابتها المشروعة وأسهمت بشكل جاد وفاعل في تنفيذ تلك السياسة الملعونة دون أن يكون لرؤيتها الاستراتيجية أي مرونة في التعاطي مع المستقبل .
سنتان فقط من عُمر المبادرة الخليجية المشؤومة كانت كفيلة بإثبات خلو العقل السياسي السعودي من أدنى الأبجديات والمفاهيم السياسية بعكس المشروع الأمريكي الذي حاول جاهدا انتزاع الموافقة السياسية اليمنية في تقسيم اليمن إلى أقاليم متعددة يسهل السيطرة عليها وإدارتها من بُعد كما هو الحال في النموذج العراقي ودستور بريمر الجائر.
وبالرغم من وجود التباينات والاختلافات في السياسات الأمريكية والسعودية بشأن اليمن إلا أن التأثير الأمريكي على القرار السعودي كان واضحا وملموساً فبالقدر الذي أرادت المملكة إبقاء الدولة اليمنية ضعيفة ومهترئة استجابة لوصية جدّهم القائلة (قوّتكم في ضعف اليمن) كانت الإرادة الأمريكية تسعى جادة لبناء دولة قوية قادرة على حماية مصالحها وأمنها القومي، وهو الأمر الذي دفع بالمملكة للمضي في المشروع الأمريكي نتيجة غياب المشروع والرؤية الاستراتيجية الكاملة لما تريده مستقبلاً من جهة والهيمنة الأمريكية على القرار السيادي للمملكة من جهة أخرى .!
وبلا شك فإن الانجرار السعودي وراء القرار السياسي الأمريكي كان واضحاً وكبيراً فالأوراق الكثيرة التي خسرتها المملكة السعودية في اليمن ابتداءً من دمّاج والمراكز الوهابية مرورا بمراكز النفوذ القوى التقليدية وأخيراً الرئيس المخلوع هادي ما كانت ستخسرها لولا الابتزازات الأمريكية المتتالية التي هدفت إلى إيجاد حالة توازن على مستوى القوى السياسية والعسكرية في اليمن تمهيدا لتطبيق مشروع الأقلمة وتفتيت اليمن .
لقد وجدت السعودية نفسها بعد ثورة 21 من سبتمبر ودخول الجيش اليمني مدينة عدن مجرّدة تماماً من أي أوراق فاعلة باستثناء جماعات مفرقة وأحزاب مهترئة وحكومة مطاردة من قبل الشعب فحاولت جاهدة إعادة ترتيب ما بعثرته خلال أقل من عام نتيجة الانقياد وراء السياسات الأمريكية وأخطائها الفادحة إلا أن كل المحاولات لم تكن مجدية فعمدت إلى التدخل المباشر بقواتها العسكرية ودفاعاتها الجوية المتطورة بيد أن كل تلك الجهود الضخمة التي حظيت بدعم لوجستي أمريكي واضح هي الأخرى لم تكن كافية بالقدر الذي تستطيع من خلاله كسر الإرادة اليمنية الراغبة بإحداث تغييرات جذرية على مستوى نظام الحكم الذي كان قابعاً تحت تأثير القرار السياسي الأمريكي طيلة الفترة الماضية . !
وبلا شك فإن الفشل السعودي الذريع في اليمن سيقابله تغييرات جذرية في اتجاهات وأهداف السياسة الأمريكية المرنة التي باتت مدركة تماماً بعدم جدوى الحرب وأن استمراريتها وديمومتها في اليمن يعني فقدانها الكثير من المصالح القومية كما يضعف تواجدها وحضورها الجيوسياسي في العراق وبلاد الشام .
بالنسبة لأمريكا لايهمها وجود نظام الحكم السعودي من عدمه بقدر اهتمامها بامتصاصه اقتصاديا وتسخيره لخدمة مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط وهو ما تحقق لها طيلة الفترة الماضية فمليارات الدولارات التي جنتها مقابل صفقات الأسلحة الذكية والمتطورة والتي بلغت قرابة 100 مليار دولار تقريبا ستقوم بتسخيرها في أماكن أخرى تخدم سياساتها الجديدة الرامية إلى ترك اليمن للرجل القوي الذي بإمكانه الحفاظ على مصالحها حتى لو كان ذلك سيقضي عليها سياسيا ويضعف تواجدها الاقتصادي والاجتماعي فهي باتت مجبّرة تماماً للشروع في هكذا سياسة سيما بعد قطع جميع أذرعها التي ارتكزت عليها في الماضي .
وبالتأكيد فإن تلك السياسة الأمريكية في اليمن سيقابلها (تهشيم) للنظام السعودي ليواجه مصيره منفردا كما صنعت مع المراكز التقليدية والرئيس المخلوع هادي منذ فترة بسيطة ، هذا إن لم تسع لتفكيكه تحت ضغط القرار السياسي العالمي واليمني على وجه التحديد، ولقد بدا ذلك واضحاً وجلياً من خلال دفعها بالنظام السعودي الى ارتكاب المزيد من الحماقات بحق المعتقلين الأسرى في سجونها وقيامها بسلسلة إعدامات لناشطين وحقوقيين ومراجع دين شيعة ك”نمر باقر النمر” الذي أعدمته قبل أيام وتشجيعها على قيام ثورة جديدة في الشرق السعودي في رسالة واضحة لسعيها مستقبلا لتفكيك منظومة الحكم الملكي تمهيداً لتطبيق نموذج شرق أوسط جديد .