أصحاب الكهف
نصر الرويشان
أصحاب الكهف هم الذين آمنوا بالله وتركوا عبادة الأوثان وعبدوا الله وحده.
هم أصحاب الكهف عند المسلمين والسبعة النائمون عند المسيحين ،هم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى، هم من عرفوا الحق في عهد الظلم ، ولكن أهل الباطل لا يريدون للحق أن يظهر ويتمكن ، ولو بذلوا كل ما يستطيعونه من أجل إسكات هذا الصوت ، وإخماد ثورة الإيمان المتقدة في تلك القلوب المبصرة بنور الله ، فما عسى المؤمنين إلا أن يؤمنوا به بعد تلك المعرفة الكاملة تدفقت المحبة وجرت مجرى الدماء في العروق لتعلن وحدانيتها لله وترفع الراية الربانية بقلوب واثقة بمن هو أهل للثقة وأهل لحسن الظن.
هي قصة تتكرر وأحداث تمر بحسبة ربانية ، وحكمة إلهية قد تغيب عن الإنسان البسيط ولكنها تتضح مع مرور الزمن لكل ذي عقل ولب بصير.
عند ظهور رجل في مران له نظرة قرآنية وفكر يعيد للإنسان إنسانيته وحرمته ، هذا الرجل الذي لم يكن يرى حياته سوى طريق سلكه كل العظماء من قبله ، لينذروا أنفسهم ويهبونها للبشرية ، ويسخرونها للمستضعفين من حولهم ، برغم وعورة الطريق وقلة الزاد وبعد السفر.
الحسين في مران في بيئة إيمانية ، يربيه رجل تقي ، زاهد ورع، عالم حجة .
لم يكن الحسين رجلا” عاديا” ولم يكن يضع لحظة واحدة دون عمل وقرأءة وتأمل وعمل ومحبة وتعاون ، هو السخي الذي يجود بماله ، والعزيز الذي يتعفف من كل متاع وكل مال .
الحسين وجد في زمن قل فيه العارفون ، وكثر به المستكبرون ، وتضاعف به ظلم الظالمين ، لم يكن ضعيفا” ولكنه منح قوة جعلت منه ضرغام في الحق فبدأ بالحديث مع الناس من حوله ليثور ثورة القيم والمفاهيم ليقول لهم لن يكون هناك باطل وأهل الحق أحياء.
لقد علم الحسين من حوله في مران ، غذى العقول ، وأزاح جهالة عمياء في مجتمعه ولكن أهل الباطل لم يتركوه وشأنه لأنه سيشعل ثورة فأرادوا استئصال الشأفة فهرعوا لكل منافق يرغبون ويرهبون ويمنون ويتوعدون ولكنه ثابت كثبات الجبال ، وحينما عجزوا وعجزت عقولهم المتسخة بأوساخ الدنيا ، أشار عليهم زبانية السوء لإصدار الفتاوى والبيانات من علماء هم علماؤهم كأن رؤوسهم الشياطين، ولكن الحسين الذي هدد بالقتل أو أن يرجع عن ما هو ماض به ، فقرر أن يلجأ لله ويصبر ويتجرع مرارة الحق ، كان كهفا” ولكنه لم يكن للنوم بل للجهاد ، والرباط والصبر والتحمل والإيثار.
لحظات عصيبة لأكثر من ثمانون يوما” من حصار وجوع وضرب بالطائرات والدبابات والمدافع والقنابل السامة والمحرمة وأطفال يموتون جوعا”وكبار ينقصهم الدواء ونساء تأن وتجرح وغذاء ينفد وماء ينضب ولكن الحسين برغم كل هذه الفجائع وبرغم كل هذه البشاعة ، كان شعلة وضاءة وشمعة مضاءة وثقة متدفقة وإيماناً وفيراً وصموداً مع الحق واستبسال القائد الذي قدم الأبناء والأحبة وركل الدنيا وأزعج الباطل من كهف مران .
فهل عرفنا منهم أصحاب الكهف؟
“إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذاً شططا هؤلاء قومنا أتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا” صدق الله العظيم .