الثورة / متابعات
ينهي الليبيون العام 2015م باتفاق سياسي بين مختلف الفرقاء قصد تشكيل حكومة وحدة وطنية من شأنه أن يفتح الأفق نحو السلام وينبئ بمستقبل جديد لهذه الدولة التي تتخبط في أزمة سياسية وأمنية منذ 2011م.
فبعد أكثر من عام من المفاوضات وفقت الوساطة الدولية في جهودها الرامية لإيجاد مخرج سياسي للأزمة الليبية من خلال الدفع بالفرقاء الليبيين إلى التوقيع على اتفاق سياسي يأتي كبارقة أمل بالنسبة للشعب الليبي الذي عانى الأمرين بسبب الأزمة السياسية التي تعصف ببلاده منذ أكثر من أربع سنوات والتي ألقت بظلالها على الجانبين الأمني والإنساني.
وجاء التوقيع على اتفاق السلام بين الفرقاء الليبيين في الـ17 ديسمبر الجاري ليكلل أكثر من عام من المفاوضات التي قادتها الأمم المتحدة ورعاها المجتمع الدولي ودول الجوار وعلى رأسها الجزائر.
فبعد عدة جولات من المفاوضات, إحتضنتها عدة عواصم من العالم ومن بينها الجزائر وإخفاق البعثة الأممية في أكثر من مناسبة في إقناع أطراف النزاع بالتوقيع على هذا الاتفاق السياسي – كان آخرها في الـ20 أكتوبر الماضي – نجح المبعوث الأممي الألماني مارتن كوبلر ليواصل جهود سابقه الإسباني برناردينو ليون وهو تبني كافة الفرقاء لهذا الاتفاق.
فقد وقعت عليه كافة أطراف الحوار السياسي الليبي, الذي تشرف عليه البعثة الأممية بمن فيهم ممثلون عن مجلس النواب المعترف به دوليا في طبرق, والمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته في طرابلس، فضلا عن عدد من المستقلين وممثلي الأحزاب السياسية والبلديات والمجتمع المدني.
ويشكل هذا الاتفاق الذي ينص على تشكيل حكومة وحدة وطنية خطوة تاريخية وحاسمة بالنسبة لمستقبل ليبيا التي تتخبط في أزمة سياسية وأمنية وإنسانية منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وتعهدت الأمم المتحدة بالسهر على الالتزام بسيادة ليبيا ورفض أي تدخل أجنبي في أراضيها ودعمها للمؤسسات المنبثقة عن هذا الاتفاق السياسي والتزامها بدعم حكومة الوفاق الوطني التي سيتم تشكيلها بصفتها الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا.
ويأتي توقيع الفرقاء الليبيين على الاتفاق السياسي الذي ترعاه البعثة الأممية مرة أخرى ليؤكد الرؤية الحكيمة للدبلوماسية الجزائرية والقائمين عليها والتي لطالما غلبت الحل السياسي للنزاعات.
فقد كانت الجزائر وكعادتها السباقة بالدعوة إلى الحوار،حيث شرعت في وساطة واعدة مع الفاعلين الليبيين واقترحت “مقاربة أتفاق” على الأمم المتحدة تضم كافة الأطراف الليبية للحوار باستثناء الجماعات الإرهابية وذلك قبل أن تسلم المشعل للأمم المتحدة وتؤكد دعمها للاتفاق السياسي الأممي.
وبالموازاة مع الجهود الأممية لم تقف الجزائر مكتوفة الأيدي، بل سعت جاهدة لإعادة لم شمل البيت الليبي، حيث احتضنت أول حوار ليبي-ليبي في مارس 2015م لتنظم بعدها العديد من اللقاءات بين الأشقاء المتخاصمين كان آخرها الاجتماع الوزاري العادي السابع لدول جوار ليبيا في الفاتح من ديسمبر الجاري والذي توجت أشغاله بإجماع كافة المشاركين على ضرورة تبني الحل السياسي الأممي باعتباره “قاعدة لتسوية دائمة للأزمة بما يكفل الحفاظ على سيادة ليبيا ووحدتها”.
وأكدت الجزائر في أكثر من مناسبة على أن المسؤولية تقع على المجموعة الدولية في مرافقة الحكومة الليبية فور تشكيلها, في مهامها الجسيمة لبناء الدولة الليبية واستعادة الثقة بين كل مكونات المجتمع الليبي وتطوير شروط معيشة المواطنين الليبيين الذين طالت معاناتهم.
وواجهت السلطات الليبية على امتداد العام 2015 تحديات أمنية كبيرة مع احتدام المعارك بين قوات الجيش الليبي والمليشيات المسلحة على كافة الجبهات وما زاد الوضع تأزما دخول التنظيم الارهابي الذي يطلق عليه “داعش” (داعش) في المشهد الأمني للبلاد خلال شهر فبراير الماضي وارتكابه لجرائم بشعة بحق المواطنين العزل في عدد من المناطق.
وما زاد من حدة النزاع عدم تمكن قوات الجيش الليبي باستعادة سيطرتها على المناطق التي استولى عليها المسلحون والإرهابيون وإطالة مجلس الأمن الدولي الحظر عن تسليح الجيش الليبي رغم المناشدات المتكررة للسلطات الليبية لهذا الغرض.
وقد ألقى هذا التصعيد الأمني بظلاله على الجانب الإنساني من الأزمة فقد تجاوز عدد المهجرين من مدنهم ومناطقهم والفارين من العنف المسلح منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي السابق في أكتوبر 2011م المليون و256 ألف ليبي حسب تقديرات لجنة حقوقية محلية.
وجراء احتدام أعمال العنف بها وسيطرة التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة عليها ونزوح أغلب سكانها تم إعلان أربع مدن ليبية (بنغازي وسرت وورشفانة وككلة) “منكوبة إنسانيا”.ووفقا للتقارير فإن أكثرمن 3 ملايين شخص في مختلف أنحاء ليبيا بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية وأكثر من مليون طفل ليبي بحاجة إلى الدعم حسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة (يونسيف).
ومن أجل مواجهة هذه الأزمة الإنسانية أطلقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مؤخرا نداء لجمع حوالي 165 مليون دولار لسد حاجات السكان خلال العام 2016م.
ويعول المجتمع الدولي على الاتفاق السياسي المبرم بين الفرقاء من أجل وضع حد لأعمال العنف وفتح الباب للحوار بين الأشقاء والذي من شأنه إعادة الأمن والاستقرار واسترجاع حق الليبيين في الحياة الكريمة.
Prev Post
Next Post