النخب السياسية الحاكمة حولت الاقتصاد لميدان خاص تستغل ريعه لتحقيق مكاسبها في الثروة والسلطة

هل فشلت خطط التنمية الاقتصادية في اليمن؟

حين يقول تقرير التنمية البشرية للعام 2015م أن اليمن أصبحت في المرتبة 160 من بين 188 دولة على مستوى العالم فهذا يعني عمليا أنها تقع في قائمة البلدان ذات التنمية البشرية المنخفضة ليس ذلك فحسب بل إنها تعرضت لخسارة تقدر بنسبة34 % عما كانت عليه في العام السابق ويمكن أن تقفز خلال العام القادم 2016م لاحتلال ذيل القائمة عالميا دون منافس إن استمر الوضع الاقتصادي والاحتراب الداخلي والعدوان الخارجي على ما هو عليه الحال الآن .
تقرير خاص
كل العالم يعرف الآن أن الاقتصاد يجمع ولايفرق حتى أن السياسيين ليس لهم قبول في أي بلد متحضر إلا من باب الاقتصاد ، هكذا هو العالم الواعي لأن مفاتيح صناديق الانتخاب بيد الشعب ،إلا في اليمن فالسياسيون يدركون أن فوزرهم ونجاحهم يمكن الوصول إليها من عالم السياسة ودهاليزها الملتوية وبغبائهم يتجاهلون الاقتصاد ولذلك يغيبون الوعي عن الشعب اليمني بهذا الملف الهام ملف حياة الناس ورفاهيتهم وتوفير فرص العمل لهم وتنمية وطنهم وهم لم يدركوا أن اليمن أصبحت على رأس قائمة الدول الأشد فقراً في عام 2015م وهناك تأكيدات أن 14 مليون يمني يقعون في مرحلة الخطر من الجوع، و80 % من الشعب يحتاجون مساعدات إنسانية عاجلة.
وحده الدكتور طه الفسيل أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء قال إن السبب فيما وصل إليه اليمنيون من وضع اقتصادي وترد في الحياة المعيشية لخمس وعشرين مليون يمني يعود إلى الفشل في إحداث انتقال سياسي حقيقي منذ العام 2011م وحتى اليوم فالنخب السياسية الحاكمة سابقا لم تستطع التخلي عن احتكارها للسلطة والثروة وبالتالي ماتزال تدافع بشراسة ضد مشروع الاستقرار السياسي لهذا الوطن وإن تم بأشكال مختلفة.
الدكتور الفسيل يشير في أحدث أبحاثه العلمية إلى أن خطط التنمية الاقتصادية في اليمن منذ أول خطة خمسية 1996 – 2000م وحتى العام 2010م أي بعد 15 عاما أعلنت فشلها فالأرقام الرسمية تكشف أنها لم تحقق أي تحسن ملموس في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في اليمن وبالتالي في الأوضاع المعيشية وفي المؤشرات التنموية فالتحديات التنموية والمشكلات المزمنة من بطالة وفقر وتفاوت وإقصاء وتهميش وانعدام العدالة الاجتماعية بكل أبعادها ومضامينها قد زادت عما كانت عليه منذ ذلك الوقت أو على الأقل لم تشهد تحسنا يذكر.
ويضيف :أن هذا الفشل ولد انطباعا بأن هذه لم تتغير وعلى العكس من ذلك شهدت الخمسة عشر عاما الماضية مزيدا من التعقيدات المحلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحروبا ونزاعات محلية جديدة بما في ذلك ظهور وتنامي التنظيمات الإرهابية في اليمن مما يشير بوضوح إلى فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتدخلات الخارجية والإقليمية والدولية ، ومن أبرز صورها الحرب التي تشنها قوات التحالف العربي على اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية منذ نهاية مارس 2015م بحيث أصبح معظم الشعب اليمني حوالي 80 % في حاجة ماسة لمساعدات إنسانية بنهاية شهر أكتوبر الماضي.
ويكمن الفشل في الخطط التنموية لليمن حسب الدكتور الفسيل في أنها لم تستطع تكوين قطاعات اقتصادية إنتاجية وحتى خدمية رائدة تسهم في إحداث تراكم اقتصادي إنتاجي حقيقي بما يضمن تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة ومستدامة وإحداث تنمية اقتصادية واجتماعية عادلة للمجتمع اليمني بكل فئاته وفي مختلف مناطقه ولم تتمكن من تحقيق أي إنجاز ملموس في المؤشرات الاجتماعية بل على العكس من ذلك تزايد مستوى التفاوت في توزيع الدخل والإنفاق.
فوفقا لنتائج مسح ميزانية الأسرة 2005 – 2006م فإن متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي قدر ارتفع من 590 دولارا عام 2001م إلى 1159 دولارا عام 2010م إلا أن ذلك صاحبه زيادة في حدة التفاوت في الدخل داخل المجتمع اليمني وكذلك في مستوى المعيشة حيث يستحوذ 20 % من السكان على 50 % من الإنفاق بينما يحصل 80 % من السكان على النصف الأخر.كما أن ادنى 20 % من السكان لايحصلون الا على حوالي 8 % من الإنفاق.
وعلى الرغم من أن هذه الإشكالية ليست حديثة أو وليدة اليوم وإنما هي تركة ثقيلة ناتجة عن الفشل الاقتصادي الذي انتهى إليه شطري اليمن لتتحمل دولة الوحدة عبء هذه التركة الثقيلة ،إلا أن فشل وإخفاق هذه الخطط والسياسات الاقتصادية والتنموية الاجتماعية التي اتبعها النظام السياسي الذي تشكل بعد الوحدة 2001 – 2014م فاقم من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتحديات التنموية لينهي الأمر بتوالي الأزمات السياسية والاقتصادية منذ العام 2011م وحتى ديسمبر 2014م.
ويرى الدكتور الفسيل أن تداخل العوامل السياسية والاقتصادية وتفاعلاتها وتأثيراتها قد ساهمت بصورة مباشرة في فشل السياسات الاقتصادية والتنموية خلال الفترة 2001 – 2014م وان الأسباب الأساسية التي أدت إلى هذا الفشل يمكن أجمالها في ثلاثة عوامل أساسية أولها أن السلطة السياسية أصبحت هي المصدر الأول والاهم للدخل والثروة الأمر الذي أدى لهيمنة القرار السياسي وتوجهاته ومصالحه على السياسات والقرارات والتوجهات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والتي يمكن إبراز اهم تجلياتها في سيطرة القلة من الأفراد في وقت واحد على كل من الجاه والثروة الوطنية والتالي على مقاليد السياسية والاقتصادية في اليمن وما أدى إليه من تركيز السلطة الثروة بأيديهم وتحالف بين رجال الأعمال والسلطة الحاكمة وسيادة ثقافة الريع الاقتصادي وانتشار الفساد بكل مظاهره.
أما ثاني الأسباب فيكمن في سيطرة العوامل الخارجية الاقتصادية على كافة الجوانب الاقتصادية والمالية والاجتماعية في اليمن بما في ذلك النمو الاقتصادي والتوازنات الاقتصادية الداخلية والخارجية وهي عوامل لايمكن التحكم بها داخليا وان قدرة المحليين على التحكم بها ضعيفة مما نتج عنه تأثيرات مباشرة على التنمية وتتمثل ابرز تلك العوامل في تحويلات المغتربين والعاملين اليمنيين بالخارج ثم استخراج النفط وتصديره وأسعاره بالإضافة إلى العوامل البيئية الطبيعية التي تؤثر في الإنتاج الزراعي كالأمطار والعواصف.
اما ثالث تلك العوامل فيتمثل في الانعكاسات السلبية الاجتماعية والتنموية لبرامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي منذ العام 1995م.
وعلى الرغم من أن الفترة الانتقالية 2012 – 2014م شهدت دخول لاعب جديد وعامل جديد إلى السلطة السياسية تمثل في الرئيس عبد ربه منصور هادي وحاشيته إلا أن تأثير العوامل الثلاثة استمر بصورة أو بأخرى خلال هذه الفترة واضحا بشكل لم يسبق له مثيل.
وكنموذج لهينة السلطة السياسية على السلطة والثروة في اليمن كشفت دراسة تشام هاوس 2013م أن هناك زواجاً سياسياً لكل من الرئيس السابق وشيوخ القبائل وعلى رأسهم الشيخ عبد الله الأحمر والعائلات الدينية وان علاقة الزواج هذه تسلط الضوء على مصادر القوة الرئيسية في عهد الاقتصاد السياسي لصالح وتمثل هذه المصادر في مؤسسات الدولة والجيش والقبائل والاقتصاد.
أما في نموذج تسيس الموازنة العامة للدولة وخطط التنمية فقد تمثل مصدر الاختلال الأهم وفي الوقت نفسه المصدر الأساسي الذي تستخدمه السلطة السياسية للحصول على الريع وكذلك كسب الولاءات وشراء الذمم والضمائر،فخلال السنوات الماضية تمكنت السلطة السياسية مع قلة من النخب السياسية والتجارية من التحكم في توجهات السياسة المالية لخدمة مصالحها بحيث لم يقتصر الأمر على عدم تمكنها من التخفيف من الفقر والحد من لابطالة فحسب بل ساهمت في تعميق واتساع عدم المساواة وانتشار الفقر والبطالة ،كذلك لم تسهم هذه السياسة في تحقيق التوازن للموازنة العامة وضمان استدامتها حيث بلغت نسبة العجر 7 % خلال تلك الفترة ويرجع ذلك للاعتماد على مورد النفط المتذبذب في الإنتاج والأسعار بالإضافة إلى أنها لم تعتمد على موارد أساسية للايرادات كالضرائب والتي لم تزد عن 7.1 % كمتوسط سنوي وهي نسب تقل عن المحققة في الدول النامية والأقل نموا والبالغة 15، و20 % على الأقل.
وقد غلب على اليمن في التقارير الدولية عدم الشفافية والمساءلة في الإنفاق العام حيث تدني مؤشرات اليمن في مؤشر مصداقية الإنفاق العام ووجد فرق كبير بين النفقات الفعلية والنفقات المعتمدة بسبب التحفظ الشديد على الإيرادات النفطية ومانجم عنه من توفير أموال فائضة يتم سحبها من خلال اعتمادات إضافية في الموازنة في مخالفات صريحة للقانون والدستور.
كما أن عدم تمكن الدولة في بسط سلطتها على تطبيق قانون ضريبة المبيعات يثير الجدل حول ماهية الدولة والسلطة نفسها فهذه موارد سيادية تؤثر على سلطة الدولة وتؤدي إلى انتشار الفساد وغياب العدالة الضريبية.

قد يعجبك ايضا