تحليل / عبدالملك الشرعبي –
احتفل اليمنيون بالامس بالذكرى الاولى لتولي الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي مقاليد الحكم في البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ..ففي هذا اليوم 21 فبراير 2012م توجه اكثر من ستة ملايين ونصف المليون ناخب وناخبة لانتخاب الأخ عبدربه منصور هادي رئيسا توافقيا لليمن وفقا للتسوية السياسية التي ارتضاها ووقع عليها جميع الفرقاء السياسيين لإخراج الوطن من أزمة طاحنة لازمته طيلة عام كامل وكادت أن تنزلق به في اتون صراعات وحرب أهلية طاحنة لن تبقي ولن تذر.. لولا الجهود الحثيثة والمضنية التي بذلت داخليا وخارجيا وتوجت بالتوقيع على المبادرة الخليجية وتم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية واجراء انتخابات رئاسية مبكرة في الـ(21) من فبراير والذي مثل الحدث الابرز في المشهد السياسي في البلاد للخروج بالوطن الجريح إلى شاطئ الامان بعيدا عن الامواج التي اخذت تتلاطمه من كل اتجاه والتوجه صوب مرحلة البناء والتنمية وصياغة مستقبل اليمن الجديد والانتقال إلى فضاءات رحبة من التغيير المنشود الذي لأجله خرج اليمنيون وضحوا بأرواحهم رخيصة¡ وقدموا قوافل من الشهداء من أجل تحقيقه .
ويحق لشعبنا اليوم ان يحتفي بالذكرى الاولى لانتخابات الحادي والعشرين من فبراير التي مثلت نقطة تحول تاريخية في حياته وطوق النجاة للعبور بالسفينة إلى بر الامان.. وبداية حقيقية في تجسيد الحياة الديمقراطية والايذان بفتح صفحة جديدة عنوانها التسامح والتصالح والانطلاق معا لصياغة مستقبل جديد للوطن يشارك فيها جميع ابنائه دون تهميش أو اقصاء لأحد.. وانما على أساس من الشراكة والتعاون البناء والمواطنة المتساوية .. والمضي قدما نحو تحقيق الأمن والاستقرار والنمو والتطور بكل صوره وجوانبه¡ ومن اجل تجنيب اليمن المزيد من الصراعات السياسية والحزبية والقبلية والمذهبية .. وذلك ما تجلى بوضوح يوم الحادي والعشرين من فبراير عندما توجه اليمنيون بمختلف توجهاتهم وشرائحهم إلى صناديق الاقتراع في مشهد عكس مستوى الوعي الحضاري والنضج السياسي لدى اليمنيين وهم يشاركون جميعا في إرساء مبادئ وقيم التغيير الديمقراطي السلمي وتعزيز قيم الحرية والكرامة والعدالة وبناء دولة النظام والقانون والحكم الرشيد..
عام واحد من التغيير انقضى لكنه مثل زمنا◌ٍ فارقا◌ٍ قياسا◌ٍ بحجم الخطوات التي قطعتها اليمن خلاله بالنظر إلى جسامة التحديات الماثلة¡ والوضع السياسي المعقد¡ الذي احاط بالبلاد من كل مكان¡ وعلى رأسها التدهور الحاد في الجانبين الاقتصادي والأمني وفي مستوى الخدمات العامة التي ظلت مشلولة لفترة طويلة .. وما تلى ذلك من هيمنة لمراكز بعض القوى وتزايد نفوذ الإرهاب في ظل انقسام الجيش وانهيار البنية التحتية للدولة .. وجميعها شكلت تحديات كبيرة امام الرئيس الانتقالي الصاعد إلى الرئاسة من بوابة ثورة التغيير الشعبية السلمية .. حيث اخذ يفكك مراكز الهيمنة والتسلط بصبر وهدوء وحكمة¡ متسلحا بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة وقراري مجلس الأمن ودعم المجتمع الدولي بأكمله .. كل ذلك جعل الرئيس هادي ينطلق بثقة صوب إحداث التغيير المنشود بدءا من رفع وازالة المظاهر المسحلة وبؤر التوتر في امانة العاصمة وعدد من المحافظات التي شهدت مواجهات مسلحة وأعمالا◌ٍ تخريبية¡ وفي الوقت نفسه مواجهة عناصر الشر والارهاب وتكبيدها خسائر فادحة ودحرها من محافظتي أبين وشبوة وعودة النازحين إلى مناطقهم وبدء هيكلة المؤسسة العسكرية وتوحيد الجيش وإحداث تغيير ملموس في البنية القيادية العليا التي ظلت ترزح في مواقعها القيادية ردحا من الزمن دون تغيير¡ وفي الايام القليلة القادمة سيصدر الرئيس هادي حزمة قرارات بتسمية قادة المناطق العسكرية السبع التي شملتها قرارات الهيكلة¡ بالاضافة إلى المصادقة على الهيكل الجديد لوزارة الداخلية والقوة الأمنية التابعة لها.
ولا يزال اليمنيون ينتظرون مزيدا من التغييرات قبل الانتقال إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي ستنطلق أولى فعالياته يوم الثامن عشر من مارس المقبل.
إنها تحولات كبيرة شهدها الوطن في ظرف عام واحد رغم العراقيل والمعوقات التي واجهتها – ولا تزال تشرع بأجنحتها المحطمة في محاولة يائسة لإبقاء نفوذها من خلال مساعيها الرامية لتقويض أمن الوطن واستقراره وزرع بذور الخلافات والصراعات بين أبناء الوطن الواحد وبذل كل ما تملك لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.. لكن عجلة التغيير اخذت تشق طريقها بقوة نحو المستقبل وإعادة صياغة ملامح اليمن الجديد بمشاركة جميع ابنائه.