تسميم العقول
د/عبدالله أحمد السنافي
إن من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان نعمة العقل والفهم والادراك لمعرفة الخير من الشر والصحيح من الفاسد.
ورحم الله الشيخ محمد الغزالي عندما قال: نحن أصدقاء هذه الفطرة نعتمد على سلامتها ونرد المنحرفين إليها واحترامنا للعقل قائم ونزولنا على منطقه حتماً، وعدونا في هذه الحياة التقليد البليد والتعصب الأعمى وأن من الحنث العظيم محاولة تسميم العقول وتلويثها ببعض الأفكار الخبيثة التي تبعد صاحبها عن طريق الحق واستغلال ضعفه وسذاجته وحداثة سنه وحسن ظنه وقلة حيلته من أجل الحصول على مكاسب مادية أو الحصول على المكانة الاجتماعية فهؤلاء الذي يسممون أفكار الناس عامة والشباب خاصة هم أعظم شراً وأكبر ضرراً على المجتمعات الإسلامية والعالم أجمع.
وبسبب تسميم العقول أصابت المجتمع أمراض صارت تسمى الاحتيال ذكاء والاستغلال معونة والانحلال حرية والتعصب عقيدة ولو نظرنا إلى شريحة الشاب لوجدنها الهدف الأول لمسممين العقول فالشباب هم أعمدة الحاضر وأساس المستقبل بهم تنهض الأمم فهم العقول التي تبدع والسواعد التي تبني والسلاح الذي يحمي.
الشباب تلك الفئة المستهدفة دائما سواء بالبناء أو الهدم فإن أحسنا تعليمهم وتنوير عقولهم بنوا البنايات وشيدوا المدن وإن أسأنا تعليمهم وجعلناهم عرضة لمسممي العقول “وما أكثرهم في المجتمعات العربية” هدموا ودمروا كل شيء جميل.
ولو نظرنا إلى حال كثير من الشباب سنجد أن الدين ارتبط في أذهانهم بالإهارب والعنف وسفك الدماء والأفكار المتطرفة فهم يمرون بمرحلة تتوقد فيها الشعور الديني ويتنامي خلالها وازع الإيمان.
فمجرد أن يطلق أحدهم لحيته وقد حضر الكثير من جلسات تسميم العقول يقوم بتقمص المصلح الاجتماعي وينتحل شخصية العالم الجليل ويحكم على الناس ويدين المجتمع ويسيء الظن بكل شيء ويمتلئ نقمة وعداء تجاه كل ما هو أمامه ويود لو يحرق الدنيا بما فيها وهنا تكمن المشكلة الرئيسية وهي طغيان الحماسة الدينية على العقل ونحن هنا نطالبهم بوقفة عقلانية طويلة تمكنهم من تسخير هذه الدينية لخدمة مجتمعاتهم الإسلامية لا للإساءة إليها وهذا لن يتحقق إلا بمراجعة ومناقشة الكثير من المفاهيم والأفكار الخاطئة التي استشرت في أذهان الكثير من الشباب فما أجمل أن نجد شابا ملتزما بدينه معتزاً بحب وطنه ووحدته متمسكاً بنسيجه الاجتماعي يصلح نفسه ويفقهها في الدين بقدر ما يستطيع ينصح عقله بالحذر من خطراته وينصح نفسه من الشك في رغباتها وينصح جسمه من الشك في شهواته.
فهؤلاء الشباب يجب أن يعلموا أن أصعب وأعظم ما يمكن أن يحققه المرأ هو إصلاح نفسه ومن ثم إصلاح من حوله بالحسنى فالأعمال الدموية والكارثية التي أدخلت اليمن في نفق مظلم ومستقبل معتم وعصفت بالبلاد وأوصلته إلى هذا الوضع المزري لم تكن إلا بسبب تلوث العقول بأفكار خبيثة غلب عليها طابع الجهل والتجاهل للآخرين فكانت النتيجة حتمية هي ما نراه اليوم من دمار شامل للبنية التحتية والاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية.
ولن نستطيع تجاوز هذه المرحلة وعمل الاصلاحات إلا بتذليل الصعوبات بدءاً من تنظيف العقول من هذا الأفكار وانتهاء بنشر ثقافة الوطن أنه ملك للجميع وثقافة الاحترام المتبادلة بين المجتمعات المكونة للنسيج اليمني ككل.
فكل واحد منا يحتاج من وقت لآخر أن يتوقف برهة ويسأل نفسه هل أفكاري التي اتبناها وأطبقها في حياتي تقودني في الاتجاه الصحيح.