متابعة/ قاسم الشاوش
أقر مؤتمر باريس العالمي للمناخ أمس اتفاقاً تاريخياً غير مسبوق لمواجهة التغيرات المناخية ومكافحتها وذلك بعد مشاورات ومباحثات شاقة دامت لسنوات من التواصل والمؤتمرات آخرها مؤتمر كوبنهاجن قبل ست سنوات وكلها باءت بالفشل .. واليوم ونظراً لما تقتضيه مصالح البشرية جمعاء أجمع المشاركون في مؤتمر المناخ الـ 21 الذي استضافته العاصمة الفرنسية باريس على مدى الـ 12 يوماً الماضية على صيغة نهائية لمشروع اتفاق عالمي يهدف لتحويل الاقتصاد العالمي من الاعتماد على الوقود الاحفوري خلال عقود وإبطاء سرعة ارتفاع درجة حرارة الأرض.
ومثل حضور 195 دولة المؤتمر تأكيداً جاداً على ضرورة التحرك في مواجهة الاحتباس الحراري الذي يؤدي إلى تفاقم الظواهر الطبيعية من موجات الحر والجفاف إلى الفيضانات ويهدد الإنتاج الزراعي واحتياطات المياه في عدد كبير من مناطق العالم.
وفي هذا السياق ضرب وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بيده بالمطرقة وسط تصفيق حاد، معلنا موافقة 195 بلدا على الاتفاق.
وكان فابيوس قد قال في وقت سابق: إن نص التسوية الذي عرضته الرئاسة الفرنسية على ممثلي الدول المشاركة في قمة المناخ في باريس، “عادل ودائم وحيوي ومتوازن وملزم قانونيا”. وأضاف: “إذا ما أقر (النص) فسوف يكون منعطفا تاريخيا”، مضيفا: “إننا على وشك بلوغ نهاية الطريق وبداية طريق آخر حتما”. وتابع: “يتعين تحديد هدف جديد بالأرقام عام 2025م على أبعد تقدير”، واستمر التصفيق دقائق عدة في قاعة المؤتمر وسط تبادل التهاني.
وصعد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى المنصة وأمسك بيد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وفابيوس، في حين تعانقت مسؤولة المناخ في الأمم المتحدة كريستيانا فيغيريس طويلا مع كبيرة المفاوضين الفرنسية لورانس توبيان.
وقبل بدء الجلسة الأخيرة للمؤتمر، أعلنت أكبر مجموعة من الدول المشاركة فيه وهي مجموعة الـ77 + الصين (134 دولة ناشئة ونامية) موافقتها على مشروع الاتفاق الذي أدخلت عليه آخر تعديلات ليلة الجمعة السبت.
وقالت سفيرة جنوب أفريقيا والمتحدثة باسم مجموعة الـ77 + الصين نوزيفو مكاكاتو ديسيكو: “نحن موحدون جميعا وسعيدون بالعودة إلى ديارنا ونحن نحمل هذا الاتفاق”.
وكان بان كي مون قد دعا الدول إلى “إنهاء العمل” لمكافحة الاحتباس الحراري الذي يزيد من مخاطر الجفاف والفيضانات وذوبان الجليد.
ويرمي المشروع إلى احتواء ظاهرة الاحتباس “لإبقاء ارتفاع حرارة الأرض دون درجتين مئويتين”، ويدعو إلى “مواصلة الجهود لجعل هذا الارتفاع 1,5 درجة مئوية”. وهو هدف أكثر طموحا من الدرجتين المئويتين والذي كانت ترغب به الدول الأكثر تأثرا.
ومساعدة الدول النامية لمواجهة ظاهرة الاحتباس ستبلغ 100 مليار دولار سنويا في 2020م، وستكون “سقفا” يجب مراجعته لزيادته بحسب هذا الاتفاق. وهذا مطلب لدول الجنوب منذ زمن بعيد.
ويفترض أن يسرع هذا الاتفاق، الذي سيدخل حيز التنفيذ في 2020م، العمل لخفض استخدام الطاقة الأحفورية مثل النفط والفحم والغاز، ويشجع على اللجوء إلى مصادر للطاقة المتجددة، ويغير أساليب إدارة الغابات والأراضي الزراعية.
والتعهدات التي قطعتها الدول حتى الآن لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري تسمح بألا يتجاوز ارتفاع الحرارة ثلاث درجات عما كان عليه قبل الثورة الصناعية، بعيدا عن 2%، نسبة يعتبرها العلماء أساسية للحد من الاضطرابات المناخية.
وكانت نقاط الخلاف الأساسية تتعلق بدرجة الحرارة التي يجب اعتبارها عتبة للاحترار وعدم تجاوزها و”التمييز” بين دول الشمال والجنوب في الجهود لمكافحة الاحتباس الحراري، مما يعني ضرورة تحرك الدول المتطورة أولا باسم مسؤوليتها التاريخية في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وهو ما تم أخذه بعين الاعتبار في الاتفاق.