نجاح جنيف 2 ضرورة
إذا احتربت يوماً وسالت دماؤها تذكرت القربى فسالت دموعها
هكذا قال الشاعر البحتري وهكذا يقول شعب صامد أمام سيل هادر من المرارات تلك المرارات التي وصل الجميع بسببها إلى اقتناع كامل أن الحروب ليست طريق اليمنيين الأنسب وان الحوار هو الحل الأمثل لكل مشاكل اليمنيين ونتمنى أن يكون جنيف 2 ترجمة لتلك القناعات التي لا ينكرها احد وأهمية أن يعمل اليمنيون في جنيف 2 من اجل المصلحة الوطنية العليا وإسكات صوت المدافع والبنادق وإيقاف العدوان ضد شعبنا ووطننا ومقدراته فشمس السلام أقوى من كل أدوات الموت والدمار وعلى الأغلبية الصامتة وأظن أنها صمتت كثيرا أن يرتفع صوتها و صوت معاناتها إلى الأطراف المتحاورة في جنيف أن لا مناص من نجاح جنيف 2 فلم يعد نجاح الحوار مكسباً سياسياً لطرف ضد آخر وإنما ضرورة ماسة لإنقاذ وطن من براثن من يريدون لصراع اليمنيين أن يظل وتظل جراح اليمنيين تنزف إلى ما لا نهاية وهي للحظة فارقة تقتضي من الجميع أن يتعلم مما حدث ويسمو على الجراح ويعمل على تفويت الفرصة على أعداء هذا الوطن أعداء الحياة أعداء الاستقرار من اجل المشروع الوطني الجامع مشروع اليمن الموحد القادر على مواجهة أخطار داعش والقاعدة وكذلك خطر أصحاب المشاريع الصغيرة التي تمول من خارج الحدود وهذا يتطلب من السياسيين أن يكبروا بحجم الوطن وتأثيرات المنعطف الخطير الذي يمر به فالعالم ينظر ويهتم ويتابع أحداث اليمن ليس من أجل خاطر سواد عيون اليمنيين وإنما من اجل حماية مصالحه, كيف لا واليمن تربض على مضيق باب المندب الرئة التي يتنفس منها العالم.
فلماذا لا نعمل نحن اليمنيين ونحن أصحاب الحق الأصيل بحماية مصالحنا الوطنية والتعامل مع العالم على هذا الأساس من خلال الانتصار للمشروع الوطني الكبير اليمن القوي والمستقر الذي هو لجميع أبنائه بعيدا عن الاستحواذ أو الإقصاء وعدم الاعتراف بالآخر ورفض الوصاية الخارجية كسلوك وممارسة ومراجعة السياسات الخاطئة والتفكير بصوابية الآراء التي خلصت لحاجة هذا البلد الدولة مدنية, حديثة وسنبتعد عن ذكر العلمانية حفاظا على مشاعر البعض المرهفة دون مبرر رغم أن الدولة العلمانية تمثل خلاصاً لليمنيين من طاغوت الفكر وطاغوت الفرد وربما يمكن أن نقول وطاغوت الحزبية غير الواعية أيضا أن عيون الفرقاء تتجه صوب جنيف وكلها آمال عريضة في أن يستطيع المتحاورون إزالة العوائق التي حالت دون اتفاق اليمنيين على حل فيه خير اليمنيين جميعا بعزيمة وإصرار واستشعار لمعاناة الشعب من المهرة وحتى صعدة وإنقاذ اليمن من المطامع الاقليمية والدولية وضرب الجماعات المتطرفة التي وجدت في أوضاع اليمن غير المستقرة بيئة خصبة للتوسع والانتشار على حساب أمن واستقرار شعبنا ووطننا .
وأقول لمن لا يزالون يراهنون على الحسم العسكري ويفشلون الفرص التي تلوح أمام اليمنيين لإنقاذ وطنهم عن طريق الحوار العقلاني والعادل أن الحروب الداخلية لا منتصر فيها إلا أعداء الوطن ودول العدوان, فجميعنا من كل الأطراف مهزومين طالما لم نعمل على إنقاذ هذه البلاد وإخراجها من عنق الزجاجة التي حشرت فيها من خلال فكرة التعايش تلك الفكرة يجب أن تكون مقدسة الآن ويجب أن يلتف حولها الجميع وينتصر لها ويعمل من أجلها الجميع, فكثير من المعطيات أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنك لا تستطيع إنكار وجودي كطرف في المعادلة السياسية وأنا لا استطيع إنكار وجودك وتأثيرك في المعادلة الاجتماعية والسياسية وما علينا إلا أن نتعايش ونتفق على أسس وثوابت لا نتجاوزها جميعا ويمارس الجميع بعد ذلك دوره بكل حرص وإخلاص وتفاني من أجل يمن يتسع للجميع مع التسليم بالخلاف والتنافس ولكن عبر وسائل حديثة وديمقراطية نحتكم من خلالها للشعب وهو صاحب القرار وصاحب المصلحة ومن أجله ومن اجل خدمته نتنافس لا من اجل أنا أو أنت يجعله يتألم أكثر .
ولا يزال التاريخ اليمني يمدنا بالكثير من الدروس والعبر وأثبتت جميعها أن كل ما احتكم اليمنيون للحوار وسمع كل طرف ما يريد الطرف الآخر أن يقول إلا ونتج عن ذلك انتصار ووئام, فقد تحاور اليمنيون فتوقفت العديد من الحروب الشطرية في الماضي وتحاور اليمنيون مرة أخرى فكان إنجاز الوحدة اليمنية وتحاور اليمنيون بعد ذلك وكان إنجاز مخرجات الحوار الوطني, وكم يحز في النفس أن اليمنيين احتكموا للبندقية بعد أن شهد لتجربتهم العالم بسبب حماقات وانتهازية البعض وبسبب الإملاءات والتدخلات السعودية في الشأن اليمني.
ونقول الآن لوفود الحوار وهي تتأهب للذهاب إلى جنيف2 :إن الضحايا من اليمنيين الذين سقطوا بسبب العدوان السعودي في كل مناطق اليمن وكذلك ضحايا الحروب الداخلية من الطرفين سيكونون هناك معكم في جنيف يشعلون شموع جنيف 2 ويقولون لكم ان تضحياتهم يجب ان تزهر مخرجا سليما وعادلاً لليمنيين يحميهم من تكرار ما حدث ويجعل اليمنيين جميعا بعد نجاح جنيف 2 في مهمة المطالبة بحق مشروع وعادل من دول العدوان جراء ما تعرض له شعبنا ومقدرات وطننا وهو الحق الذي إذا لم يتحقق بسواعد الأبطال في جبهات الحدود سيتحقق بالشرعية الدولية والقضاء الدولي, فحوار اليمنيين ونجاحه في جنيف لا علاقة له بحق اليمنيين في التعويض العادل عن العدوان .
إن على العالم أن يعي جيدا أن الاستقرار الدولي مرتبط باستقرار اليمن وعليه ان يستفيد من أخطاء ارتكبها في الماضي ولا يزال يبحث عن حلول لها الآن ولكن دون جدوى وفي مقدمتها إيجاد داعش وتفتيت الدول وإدارتها عبر جماعات متناحرة وإسقاط فكرة الدولة الجامعة والوطنية وهي ما توافق فكرة إدارة التوحش تلك الفكرة الدموية التي سلبت الشعوب حقها في العيش المستقر .
إن على الجميع مثقفين وإعلاميين وسياسيين وأصحاب فكر وعلماء دين وأحزاب ومنظمات جماهيرية العمل على تشكيل توجه شعبي عام بضرورة نجاح جنيف 2 وممارسة الضغط على المتحاورين أن يجعلوا مصالح الوطن قبل مصالح الأحزاب وقبل مصالح الأفراد وقبل حماية المصالح الإقليمية والدولية وان وجودهم في جنيف 2 ليس تشريفاً أو ترفاً فكرياً وإنما مهمة وطنية على درجة عالية من الأهمية لإنقاذ وطن ولإيقاف معاناة شعب يقتل بصمت وعلى مرأى من العالم المتحضر ومنظماته الإنسانية التي تحتفل بمناسبة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فلا تكونوا كما قال ثائر الهند غاندي ( كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن ).
والتاريخ وحده كفيل بتوثيق دور من ينتصر للسلام والوئام ويعيد الابتسامة الى وجوه الشعب ويراهن على صناعة الحاضر والمستقبل ويدفن الماضي طالما كان سببا للصراع.