من التوصيفات الشائعة بالنسبة لمجتمعات العالم الغربي هو أنها تعاني من أشكال عديدة من الشروخ والنزاعات والانقسامات، وذلك بين فئات تتكوّن منها هذه المجتمعات. الفقراء الأغنياء، وأبناء المدن وأبناء الأرياف، والمواطنين الأصليين والمهاجرين، والشباب والطاعنين في السن. والنتيجة هي أن المشهد المجتمعي اليوم في الغرب يبدو أكثر تشرذماً وتتقاذفه مختلف أشكال الشروخ.
فـ «ما الذي يوحّدنا؟». هذا السؤال هو عنوان كتاب«روجيه بول دروا»، الكاتب والفيلسوف الفرنسي وصاحب ما يزيد عن عشرين كتاباً تمّت ترجمة أغلبيتها إلى العديد من اللغات الأجنبية.
وبعد توصيف المؤلف لواقع أشكال وأنماط الشقاق والتحديات الكبرى التي تتواجه حولها مكونات المجتمع الواحد، والتي «تتعاظم أكثر فأكثر في هذا القرن الحادي والعشرين»، يحاول المؤلف أن يواجه بين مختلف الآراء المطروحة من قبل التقليديين ودعاة الحداثة. كما يواجه بين مختلف المفاهيم الفلسفية وبين حقائق الحياة اليومية. وفي جميع الحالات بحثاً عن هدف واحد يحدده بـ «محاولة إيجاد المخارج من حالة الانقسام السائدة».
ومن الملاحظات التي يؤكّد عليها المؤلف في البداية أن الحياة اليومية غدت اليوم «غارقة تحت وابل من المعلومات حول ما يفرّق وما يدعو إلى تمزيق الصيغ التي توحّد» بين المعنيين بالعيش في إطار المجتمع الواحد.
ومما يؤكّده في تحليلاته هو أن سلسلة طويلة من أشكال «التضامن والمرجعيات» هي التي تصنع الانتماء المشترك الذي يعبّر عنه البشر بتعبير «نحن». هذا قبل أن يشير مباشرة أنّ هذه الـ «نحن» غدت «مرئية بدرجة أقل فأقل». الأمر الذي يرى فيه خطراً حقيقياً على «وحدة المجتمعات المعنيّة»، وإلى تشرذم الولاءات التي يتم التعبير عنها بـ «نحن» التي تدلّ على الانتماءات «الضيّقة».
بهذا المعنى يبحث «بول دروا»عن المعاني العميقة لواقع الـ «نحن» التي يشارك فيها الذين ينتمون إلى دوائر ضيّقة مثل «العائلة». والدوائر الأوسع التي تشمل «المواطنين» وأولئك الذين «يتحدثون لغة واحدة» أو«أبناء الأمّة الواحدة» أو «الحضارة الواحدة» ووصولاً إلى الدائرة الأشمل التي تدل على الـ «نحن الإنسانية».
لكن يبقى السؤال الأكثر أهمية برأيه هو تحديد إلى أي «نحن» يجد المعنيّون انتماءهم. في جميع الحالات يشرح «روجيه بول دروا» أن الـ «نحن» لا يتم تحديدها بنفس الطريقة. كما أن هذه الـ «نحن» يتم التعبير عنها بأشكال متباينة وأحياناً متناقضة حيال مسألة حياتية مطروحة على البشر المعنيين بها بشكل مباشر.
والتأكيد بالتوازي أن الإنسان تتنازعه دائماً «محبّة الآخرين» و«التمسّك بالأنانية الفردية». لكن هذا لا يعني أبداً، برأي المؤلف، أنه يمكن تقسيم البشر إلى «خيّرين يحبون الآخرين» و«أشرار يبغضونهم». ذلك على أساس أن «التوتر بين النزعتين» يعرفه جميع البشر.
ومن المسائل التي يوليها المؤلف اهتمامه في الشرح والتحليل تلك المتعلّقة بـ «الرابطة الإنسانية» و«التعاطف» و«التضامن مع الآخرين».
ويرى المؤلف أنه ينبغي على جميع المجتمعات أن تبحث دائماً عن أشكال الانقسام التي «تجتازها». ذلك من أجل تعزيز ما يوحّد جميع مكوّناتها. والتأكيد باستمرار على وجود الآخر، المختلف.
Next Post