تحقيق/ وائل شرحة
على مقعدها المتحرك تتلقى صاحبة التسع سنوات “يسرى جميل” جرعات الكيماوي بعد أن نجح والدها في ظل هذه الظروف القاسية في توفير العلاج بماله الخاص بعد أن نفذت كمية العلاج الكيماوي بمركز الأورام لأسباب عدة.
“العدوان” و “السرطان” يفتكان ببراءة اليمن, مع فارق أن الأخير يسلب ابتسامة الأطفال عبر الموت البطيء.. بينما الأول عبر الموت السريع من خلال الصواريخ والقنابل العنقودية وغيرها من الأسلحة المحرمة دولياً.
أكثر من 7 آلاف طفل يمني مصاب بالسرطان من إجمالي مرضى السرطان باليمن والبالغ عددهم 70 ألفا.. جميعهم مهددون بالموت في ظل عدم توفر الأدوية والعلاجات الخاصة بهم.. “قضايا وناس” ينقل في السطور التالية معاناة المرضى والصعوبات التي يواجهها مركز الأورام الوطني..
“يسرى” وعلى مقعدها المتحرك تعاني من مرض السرطان بالعمود الفقري.. وتعاني أسرتها أيضاً في توفير الجرع الكيماوية من الصيدليات على نفقتها الخاصة بعد إعلان المركز الوطني نفاذ كميات الجرع والأدوية من المركز.
في زيارة ميدانية لـ “قضايا وناس” تجولنا خلالها بأروقة المركز وركزنا على قسم الرقود الأطفال “براءة الحاضر” و”أمل الغد”.
هناك على ظهر أحد أسررت الرقود.. تستلقي الطفلة “فاطمة أحمد محمود” من محافظة “تعز”, مصابة صاحبة الأربع سنوات من مرض السرطان في الأمعاء والرأس منذ عشرة أشهر وتتلقى “21” يوماً جرعة كيماوية يتجاوز ثمنها “80” ألف ريال يمني خارج مركز الأورام.
يعمل والد “فاطمة” في الجيش ويتقاضى راتبا شهريا “35” ألفا وهو بحاجة إلى أضعاف الراتب في الشهر الواحد لتوفير العلاج لابنته.. باع كل ما يملك وأقترض المال من القريب والبعيد والصديق والحبيب, وما يزال يعاني من توفير ثمن الأدوية لطفلته في ظل غياب العلاج بالمركز الذي كان يمنح المرضى الأدوية مجاناً.
في السرير المجاور يمتد جسد الطفل “أيمن عبد الواحد الزنداني ـ 9 سنوات” عشعش السرطان في دماغه منذ سنة ونصف.. أجرت له عمليات بمملكة الأردن وما يزال يتلقى الأدوية حالياً بمركز الأورام على نفقة أسرته.
في الغرفة المجاورة ونحن في قسم رقود الأطفال رأينا الطفل “عبد الغني عبد الكريم” وهو ابن السبعة أشهر من العمر والمرض.. ولد ومرض السرطان رفيقه بالكلى.. أجريت له عمليتان وما يزال في قسم الرقود يتلقى العلاج على نفقة أسرته التي تعاني كثيراً في ظل الوضع الراهن من توفير الأدوية.
الدكتور أنور الرجوي ـ أخصائي أورام أطفال ـ يتحدث “نعاني من نقص كبير في الكيماوي مما أثر سلباً على المرضى, فحين يأتي المريض في أي حالته الأدنى أو المتوسطة أو الخطيرة نقوم بإعطائه الجرعة بحسب التشخيص.. يعاني المركز الآن أيضاً من أعداد الأسرة ما يؤخر ذلك بعض الأطفال عن تلقي العلاج وينعكس ذلك سلباً عليهم”.
يؤكد الرجوي “بأن أغلبية المصابين من الطبقة السفلى في المجتمع وانعدام العلاج المجاني بمركز الأورام يعني الموت بالنسبة لهم بينما أصحاب الدخل المتوسط فلا خوف عليهم لأنهم يسافرون خارج الوطن لتلقي العلاج”
يشدد الدكتور أنور الرجوي على ضرورة “توفير الأدوية للمركز كمرحلة أولى في الوضع الراهن.. ما لم فالمركز سيعتبر محطة وداع للمرضى في وقت يفترض أن يكون محطة انطلاق للشفاء”..
ويضيف الرجوي ” قبل العدوان والحصار كان هناك نقص في الأدوية لكن كان المركز يعمل والأمور كانت تسير على ما يرام.. لكن في ظل العدوان والحصار القائم نفدت الأدوية من المركز وارتفعت أسعارها في السوق بنسبة 150% وهي أدوية مهربة لكننا نتعامل معها لأن أكثر ما يهمني هو أن يتلقى المريض العلاج وأرى حالته تتحسن من يوم إلى آخر”.
المركز الوطني لعلاج الأورام السرطانية والمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان أطلق الثلاثاء 1 ديسمبر 2015، نداء استغاثة عاجلاً لكل من “هيئات ومنظمات الأمم المتحدة والمؤسسات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني وشركات الأدوية في العالم” للتدخل السريع لوقف التدهور الحاد في علاج مرضى السرطان والذي سيؤدي – بحسبهم – إلى توقف تام للخدمة المقدمة للمصابين بالسرطان في اليمن خلال يناير القادم 2016م..
وحذر كل من المركز والمؤسسة من وقوع كارثة صحية وإنسانية نتيجة عدم توافر أغلب الأدوية والمستلزمات الطبية والمحاليل المخبرية المنقذة لحياة عشرات الآلاف من مرضى السرطان المنتشرين في عدد من محافظات الجمهورية..
وقال الدكتور عفيف النابهي، مدير المركز الوطني للأورام، في مؤتمر صحفي عقده المركز الوطني لعلاج الأورام السرطانية والمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بالعاصمة صنعاء بالتنسيق مع وزارة الصحة العامة, :إن المركز يقدم خدمة التشخيص والعلاج والمتابعة لمرضى السرطان على مستوى اليمن بصفة مجانية وبدون أي دعم شعبي.. لافتاً إلى أن إجمالي مرضى السرطان في اليمن بلغ 70 ألف حالة مرضية منذ عام 2005م، 30 ألف حالة منهم لا يزالون تحت العلاج في المركز والمؤسسة وفروعهما في اليمن..
وأكد على أن جميع المصابين بالسرطان معرضون لمخاطر الوفاة نتيجة لتدهور حالتهم الصحية ونفاد الأدوية والمستلزمات الطبية والمحاليل المخبرية في المركز الرئيسي كونه المغطي لكل فروعه في محافظات الجمهورية وفي ظل عدم قدرة الدولة على تعزيز المركز بالمبالغ المستحقة ضمن موازنته والمعدة لشراء الأدوية والمستلزمات والمحاليل المخبرية لتقديم الخدمة لمرضى السرطان.
استشاري علاج الأورام ونائب مدير مركز الأورام الوطني الدكتور عبد الوهاب النهمي يقول ” المركز يعتبر الوحيد في الجمهورية لعلاج الأورام ولديه فروع في بعض المحافظات يقدم خدمة العلاج المجاني لمرضى السرطان بمختلف أنواعه ومتابعة المرضى التي تستمر لسنوات عديدة.. ”
وعن المعوقات التي تواجه المركز يقول الدكتور النهمي” هناك صعوبات ومعوقات تواجهنا أولها عدم صرف ميزانية المركز المعدة والخاصة بتوفير الأدوية والعلاجات والمستلزمات الطبية والضروريات لعلاج الأورام.. وهو الأمر الذي سيؤدي المركز خلال الشهرين القادمين إلى إغلاقه بعد أن نفدت 70% من الأدوية الشهر الماضي وما تبقى سينفد خلال يناير من العام القادم..”
وأضاف النهمي”المرضى يترددون يومياً على المركز ونحن نعاني من توفير العلاجات من السوق بأسعار مكلفة في ظل عدم امتلاكنا المادة.. وهو الأمر الذي يؤثر سلباً على حياة المصابين بسبب عدم إعطائهم الجرع والأدوية في الوقت المحدد.. وهذا يجعلهم عرضة للموت ومؤهلين للوفاة بعد أن كانوا قريبين من الشفاء”.
يرجع الأسباب الدكتور النهي إلى ” الأزمة المالية التي يمر بها الوطن وتعاني منها الدولة بسبب العدوان والحصار.. وهو السبب الرئيسي.. فالمركز وحتى اليوم يعمل لسنة بدون موازنة لأن آخر موازنة استلمناها في عام 2014م على مناقصة 2013م.. وهو ما يضع المركز بداية العام القادم عرضة للإغلاق”.
وكشف الدكتور النهمي عن نسبة الأطفال من إجمالي مرضى السرطان تتجاوز 11%.. ودعا المجتمع ورجال الأعمال ومنظمات المجتمع الدولي إلى سرعة إنقاذ هذه الفئة المريضة والتي تعاني نفسياً ومادياً ومن كل نواحي الحياة.
تصوير/مازن رشاد