الخيارات الاستراتيجية
يبدو المشهد الوطني قارئا لذاته وتبدو الخيارات الاستراتيجية التي أعلن عنها قائد ثورة 21 سبتمبر 2014م السيد عبدالملك الحوثي قد بدأت تؤتي أكلها وهي خيارات تشبه سفينة نوح, فقد سخر منها أعداء اليمن ولاكها العملاء من فئة الاخوان ومن شايعهم وقالوا فيها ما قالوا, ولكنها كانت هي سفينة الإبحار إلى قيم العزة والكرامة والمروة وهي شيم فقدها العملاء وبالتالي فقدوا الإحساس بها وبقيمها وبمعناها, وقد بدأت بوادر في الأفق تتحدث عن تقدم مذهل في الجبهات العسكرية الداخلية والحدودية والملاحظ أنه منذ بدء العام القمري الجديد تغيرت المعادلة من حيث القيمة التفاعلية ومن حيث النتائج فالجيش واللجان الشعبية ورجال القبايل أصبحوا يسيطرون على معادلة الأرض ويفرضون وجودهم رغم قلة العتاد وتفوق العملاء به ومساندة الطيران وتعاضد العالم وصمته ورغم كل ذلك الاشتغال السياسي والإعلامي والحصار والفراغ الدستوري في المناصب القيادية للدولة.
لقد جمع العملاء وجمع العدوان ترسانته ومرتزقته وهبوا إلى مأرب التاريخ والصمود أملاً في السيطرة فباءوا بالخسران المبين وتداعى الجميع إلى تعز من جبهات متعددة وبمساندة مكثفة للطيران أملاً في السيطرة على تعز والمخا والامتداد منهما إلى الحديدة لفرض حصار مطبق على صنعاء وبعض المحافظات فلم يكن ذلك الهجوم المكثف والعدوان المبين إلا هزائم إضافية تركت أثرا واضحا على جبهة العدوان الداخلية فقد أصبح التنازع والتصفيات سمات بارزة تعكس حالة التشظي وحالة النكوص والانكسار فالقاعدة تتلقى الضربات الموجعة من داعش وتقتل قادتها وتطوف بهم في تباه وتفاخر المدن والشوارع والحراك يتعرض بين الفينة والأخرى للتصفية الجسدية على يد مجهولين, ولجان هادي تأكل نفسها وتأكلها المصالح المادية وأصبح القتل فيهم عادة واعتيادا وتنازع النفوذ على أحياء عدن تتوزعه الجماعات المسلحة والفصائل الجهادية, ومنذ سيطرة ما يسمى بالشرعية على عدن لم تستقر الحالة الأمنية ولم تعد الخدمات وكاد التموج الجديد في عدن أن ينذر بكارثة قادمة قد تتجاوز أحداث (13 يناير) الشهيرة فالاحتقان قد بلغ ذروته وحالة التربص والخوف في ذروة سيطرتها على المشاعر وقد رأينا نتائج المقدمات الخاطئة في التفاعل بين القاعدة وبين داعش, وفي التفاعل البيني للجان هادي التي يحاول المعتوه جلال هادي تكثيف مشاعر التنافر والبغضاء تجاه كل ما هو شمالي فيها, وهو لا يدرك أن ذلك التكثيف سيبدأ منه نفسه فهو يحرق نفسه من حيث لا يحتسب وقد بدأ الانقسام في الصورة الهلامية للشرعية المزعومة التي لا تجد لها من قيمة سوى في خزينة آل سعود وما سوى تلك الخزينة التي تهافت عليها الاخوان لا قيمة موضوعية ولا قانونية للشرعية المزعومة من عدة أوجه لعل العدوان أفضحها بيانا وفق كل القوانين التي تواضع عليها المجتمع الإنساني وتقرها الفطرة الإنسانية السليمة وأمام تلك الصورة التي لا تتجاوز الصورة النمطية التي من المستحيل أن تكون غيرها للعملاء في كل الحقب والأزمنة, هناك في المقابل خيار الصبر الاستراتيجي الذي رأى في النمودج الذي ينتظر الناس من خلال الصورة الأخلاقية التي عليها العدوان وعملاؤه سواء كان ذلك في تعز أو في عدن أو زنجبار أو في حضرموت وهي صورة بشعة وأفظع ما يكون وقعها في نفوس الشرفاء والأحرار من تبابعة حمير, وتلك الصورة عملت في اتجاهين متوازيين الاتجاه الأول كان تعزيز الجبهة الداخلية التي أصبحت أكثر غضبا في مواجهة العدوان فكانت الدوافع النفسية للبطولة وتحقيق الانتصار في جبهات القتال, والاتجاه الثاني تغيير الاتجاه الوجداني للبيئات التي تتنافر وفق العوامل الثقافية والتاريخية مع الجيش واللجان الشعبية وبدت وكأنها بيئات طاردة إذ أضحت تلك البيئات الطاردة أكثر تناغما من ذي قبل مع الواقع, وذلك التناغم كان سببا مباشرا في حالة الصمود الأسطورية في الجبهات المتعددة التي عمد العدوان إلى فتحها في تعز بعد فشله في مأرب وقد كان التفوق الأخلاقي واضحا وبينا وهو من يجعل الطريق أكثر سهولة لطرد الغزاة من عدن والمحافظات الجنوبية التي بسط العدوان وعملاؤه نفوذهم عليها وكان تفاعليهم صادما وقاتلا ومدمرا ولا يتسم بالبعد الأخلاقي والإنساني ويشكل حالة تضاد مع قيم المجتمع الحضارية والثقافية والأخلاقية فاليمن التي غابت في وجدان الجموع الشعبية في المحافظات الجنوبية نتيجة لما مورس على وجدانها من حالة غبن وقهر أصبحت الآن أكثر حضورا من ذي قبل فقد حضرت حتى في الخطاب الإعلامي واختفى وبشكل لافت مسمى الجنوب العربي وتلك حالة وجدانية دالة على أصالة الإنسان اليمني الذي يتوحد متى شعر أن كيانه الحضاري والتاريخي والثقافي مهدد بالفناء المؤجل.
والخيارات الاسترايتيجية التي كانت في جبهات القتال وكان الاخوان وإعلامهم يستعجلون حدوثها وبصورة فجة وساخرة قد أثمرت شعورا عارما بالوجود وبالقيمة عند عموم الناس الذين يتدافعون إلى الحدود وإلى الجبهات المختلفة وبصورة لم تكن في الحسبان وقد كان تكتيك تلك الخيارات قائماً على خيار الصبر الاستراتيجي والتدرج في المراحل، ومن محاسن ذلك الصبر والتدرج معرفة إمكانات العدو ومعرفة طاقته الانفعالية وردود أفعاله وطبيعة الجغرافيا التي تحتضن المعركة وكيفية استغلال مقدرات تلك الطبيعة, فكان الاقتحام ثم الانسحاب بمثابة الاستطلاع ثم كان الاقتحام فالسيطرة وبحيث أصبح العدو عاجزا عن استعادة ما تم السيطرة عليه, وقد بدأ التمهيد للمرحلة الثانية من الخيارات الاستراتيجية باحتلال الربوعة واقتحام بعض أحياء مدينة نجران, ويبدو أن نفس المعركة نفس طويل فهي حرب استنزاف ستكون عاقبتها عودة المخلاف السليماني إلى يمنيته وذلك كائن لا محالة.