كيف ساهم اقتصاد دول الخليج في إيجاد “داعش”؟

 *إسلام أبو العز:

حتى هذه اللحظة يجهل الجميع الدافع الحقيقي لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، كذلك الأمر كان لاستفحال تنظيم “داعش” الذي بدأ كتهديد أمني في العراق، أمتد إلى سوريا، وما لبث أن تحول إلى تهديد لأمن دول المنطقة العام الماضي، بإعلانه “دولته” المزعومة، وصولاً إلى استفحال خطره كتهديد عالمي منذ أسابيع مضت، تجسدت في سلسلة هجماته الدموية التي كان آخرها هجمات باريس منتصف الشهر الماضي.
الأغلبية العظمى من المحللين والباحثين المعنيين برصد وتحليل ودارسة ظاهرة “داعش” على مدار العام الماضي ويزيد، تناولوا التنظيم من جهات عدة، سواء الايدولوجيا والظرف السياسي وإمكانيات الوجود والاستمرار..إلخ، دون التحقق حتى كتابة هذه السطور من الأسباب الرئيسية التي كونت هذه الظاهرة، سواء بشقها الذاتي أو الموضوعي.
في السطور التالية تلخص صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تحت عنوان “قد تكون هذه هي النظرية الأكثر إثارة للجدل حول ما وراء صعود داعش” أطروحة الاقتصادي الفرنسي، توماس بيكيتي حول الجذر الأساسي لوجود داعش، والذي يرجعه بشكل موضوعي إلى عدم المساواة الاقتصادية التي تشهدها المنطقة من حيث تركز الثروات في أيدي عدد قليل من سكان المنطقة، بينما ترزح الغالبية العظمي تحت وطأة الفقر، لتصبح “داعش” كظاهرة اجتماعية وسياسية أحد تجليات عدم المساواة هذه كما تلخصها الصحيفة الأمريكية كالتالي:
بعد عام من مؤلفه ذي السبعمائة صفحة، “الرأسمالية في القرن الحادي والعشرين”، الذي اجتاح قوائم أفضل الكتب مبيعاً في أمريكا الشمالية، يخرج علينا توماس بيكيتي بأطروحة جديدة عن عدم المساواة في الدخل؛ قد تكون أكثر إثارة للجدل من كتابه، الذي يواصل إثارة النقاش في الأوساط السياسية والاقتصادية.
الأطروحة الجديدة التي أوردها بيكيتي في صحيفة لوموند الفرنسية، كالتالي: عدم المساواة هي المحرك الرئيسي للإرهاب في الشرق الأوسط -بما في ذلك هجمات باريس الشهر الماضي- والدول الغربية نفسها سبب رئيسي لعدم المساواة هذه.
بيكيتي كتب أن النظام السياسي والاجتماعي في الشرق الأوسط أصبح هشاً بفعل تركيز الثروة الناتجة عن النفط في عدد قليل من البلدان ذات الكثافة السكانية القليلة نسبياً. إذا نظرت إلى المنطقة بين مصر وإيران –التي تشمل سوريا- ستجد عدة ممالك تسيطر على ما يتراوح بين 60% إلى 70% من الثروة، بينما تعداد السكان فيها أقل من 10% من أصل 300 مليون شخص يعيشون في هذه المنطقة. (بيكيتي لم يحدد أياً من هذه البلدان يتحدث عنها، ولكن انطلاقاً من دراسة شارك في تأليفها العام الماضي، عن عدم المساواة في الشرق الأوسط، يتضح أنه يقصد قطر، الإمارات، الكويت، السعودية، البحرين،. وبحسب إحصائياته فإن هذه الدول تحوز على نسبة 16% من عدد السكان، بينما تحوز على نسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة عينها.
هذا التركيز للثروات الضخمة في بلدان لديها حصة صغيرة جداً من السكان يجعل المنطقة “الأكثر في عدم المساواة على الكوكب”، بحسب قول بيكيتي الذي واصل بالقول أن داخل هذه الممالك، شريحة صغيرة من الناس تتحكم في هذه الثروة، بينما الأغلبية -بما في ذلك النساء واللاجئين- يتم إخضاعهم لحالة من شبه العبودية. هذه الظروف الاقتصادية بحسب بيكيتي: “أصبحت تبريرات للإرهابيين، بجانب ضحايا سلسلة الحروب في المنطقة التي ارتكبتها القوى الغربية.
قائمة بيكيتي تبدأ مع حرب الخليج الأولى، التي بحسب قوله أدت إلى إعادة قوات التحالف النفط لأمرائه. وعلى الرغم من أن بيكيتي لم يترك كثيراً من المجال للربط بين أفكاره، فإنه من الواضح أنه ضمناً يرمي إلى أن الحرمان الاقتصادي وأهوال الحروب التي لم يستفد منها سوى فئة قليلة مختارة من سكان المنطقة، والعاملان يختلطا معاً ليشكلوا ما يدعوه بـ”برميل بارود” للإرهاب على امتداد المنطقة.
1
بيكيتي كان حاداً بشكل خاص عندما ألقى باللوم على عدم المساواة في المنطقة، واستفحال ممالك النفط فيما ارتكبته، على الغرب: “هذه هي الأنظمة التي تُدعم عسكرياً وسياسياً من القوى الغربية، جميعنا سعداء للغاية بالحصول على بعض الفتات لتمويل أندية كرة القدم أو بيع بعض الأسلحة. لا عجب في أن دروسنا في العدالة الاجتماعية والديمقراطية تلقى ترحيباً بين بعض الشباب في الشرق الأوسط”. الإرهاب تجذر في عدم المساواة، وأفضل سُبل مكافحته تكون من الناحية الاقتصادية، حسب قول بيكيتي.
ولكسب ثقة هؤلاء الذين لا يشاركوا في ثروة المنطقة؛ على البلدان الغربية أن تثبت أنها أكثر قلقاً فيما يتعلق بالتنمية الاجتماعية في المنطقة، أكثر من قلقها حيال المصالح المالية والعلاقات مع الأسر الحاكمة. ويقول بيكيتي إن طريقة تنفيذ ذلك هي ضمان أن أموال نفط الشرق الأوسط تمول تنمية المنطقة، بما في ذلك الإنفاق أكثر على التعليم.
ويختم بقوله إن بالنظر إلى الداخل في فرنسا، وسياستها التميزية في توظيف المهاجرين، وارتفاع مستويات البطالة بين السكان. ويضيف إنه يجب على أوروبا أن تبتعد عن التقشف، وأن تنشط نموذجها الخاص بالتكامل الاقتصادي وخل فرص عمل، ويشير إلى أن أوروبا كانت تقبل مليون مهاجر سنوياً قبل الأزمة المالية.
هذه الأطروحة لم تتضمن الكثير عن الولايات المتحدة حتى الآن. هي فقط تستند إلى بعض المبادئ المثيرة للجدل، وليس أقلها هو السؤال عن كيفية مقارنة عدم المساواة في الشرق الأوسط مع بقية دول العالم؛ فالمشكلة متجذرة في كون المنطقة فقيرة في إحصائياتها الاقتصادية ذات الجودة . وفي ورقته البحثية العام الماضي كان بيكيتي والمؤلف المشارك معه قد خلصا إلى إحصائيات عدم مساواة مرتفعة للغاية.
2
فبحسب قول بيكيتي إنه “في ظل افتراضات منطقية فإن أعلى 10% من حصص الدخل في الشرق الأوسط قد تكون أكثر من 60% من إجمالي الدخل في المنطقة، بينما أعلى 1% منهم قد يتجاوزا نسبة الـ25%، مقابل 20% للولايات المتحدة، و11% لأوروبا الغربية، 17% لجنوب أفريقيا. هذا من شأنه أن يعزز مستويات التنافر بالتأكيد، وينتهي الأمر بسيناريوهات طرحها بيكيتي في ورقته البحثية. والتي برأيه هي الجذر المسبب لظاهرة “داعش”، وهذا فقط مجرد نقاش في بدايته.
*نقلاً عن موقع البديل المصري

قد يعجبك ايضا