معاني الاستقلال ، في مرايا عودة الاحتلال

 

علي احمد جاحز
كنا دائما نحتفل بعيد الاستقلال وكل الأعياد الوطنية بشكل رتيب قلما تجد من يستشعر المعاني والدلالات التي تحملها تلك الأعياد الوطنية المجيدة ، بل أنها أحيانا كانت تمر مرور الكرام والبعض بل ربما الكثيرون من عامة الناس لم يكونوا يعرفون عن الاحتفال بهكذا مناسبات إلا من خلال الإجازة الرسمية التي يمنحونها .
أما هذه الأيام فالوضع مختلف تماما ، تحل علينا الذكرى الـ 48 لعيد الاستقلال الوطني حاملة معها نسخة لكل يمني من كل معانيها ودلالاتها وإبعادها وأهميتها وتفاصيل النضالات التي أنتجتها وجسدتها، تأتي المناسبة ومستوى الوعي الوطني الجمعي في أعلى مستوياته والحس الوطني والنضالي مشتعل في خلجات كل يمني … لكن لماذا هذه الأيام بالذات اختلف الوعي بالمناسبة ؟
بالطبع وبالمختصر المفيد، لان ذكرى الاستقلال تحل اليوم في ظل وجود الاحتلال، وهي مفارقة تاريخية سيسجلها التاريخ سواء بأهميتها وايجابيتها أو بتناقضات التعاطي معها و تباين التفاعل معها أيضاً، وفي كل الأحوال فان المناسبة لم تمر مرور الكرام و لم يكن مرورها رتيبا أيضاً في وعي الناس و ذاكرتهم .
كم هو مؤسف أن يأتي عيد الاستقلال في ظل وجود الاحتلال وأن يحتفل اليمنيون بذكرى جلاء آخر جنود المستعمر القديم في وقت لا يزال آخر جنود المستعمر الجديد في طريقه إلى عدن ، وبقدر ما تبدو هذه الحقيقة مؤلمة ومزعجة ومؤرقة ، فإنها قد تبدو من زاوية أخرى ايجابية ومفيدة ، كونها طرحت الناس ووعي الناس أمام معاني الذكرى ودلالاتها وأهميتها وخلفياتها النضالية والثورية، لتجدد في روحية الناس بكافة مشاربهم الإحساس بالوطن والوطنية وبكون كل منا معنياً بان نجسد تلك المعاني على ارض الواقع ونترجمها عمليا في سبيل صناعة الحدث التاريخي من جديد بحيث نصبح جزءا منه .
النضال الوطني اليوم يتيح فرصة كبيرة كل يمني أن يكون جزءا من التاريخ الذي يصنع اليوم، وان يكون واحدا من آلاف المناضلين الذين ستحتفل بهم أجيال قادمة، كما نحتفل نحن بصناع الاستقلال من الاستعمار البريطاني و صناع التاريخ عموما .
لعل الواقع اليوم يترك في ذهنية اليمنيين وخاصة الجيل الذي يشهد اليوم ما يجري أثرا كبيرا و بالغا من شأنه أن يثمر قريبا وعيا جديدا متجددا بالاستحقاقات الوطنية وأهمية النضال والحرية و الاستقلال وبما يسهم في تشكيل واقع مختلف لا يمت بصلة للوعي الرجعي الانبطاحي الذي لم يكن أكثر من استسلام غير معلن .
عشنا الذكرى هذه المرة من خلال مشهدين، الأول في صنعاء ، مشهد وطني مشرف وتاريخي، حيث احتفل اليمنيون جيشا و شعبا و قيادات سياسية وحقوقية وإعلامية وأمنية وعسكرية بذكرى الاستقلال متعهدين في مشهد مهيب و تاريخي بتحرير جنوب البلاد من الاحتلال الجديد الذي هو وصف كبير جدا على ” الإماراتيين والسعوديين ومرتزقتهم من جنسيات مختلفة “لأنهم ليسوا بالمستوى الذي يؤهلهم ليكونوا دولا استعمارية لولا مرتزقة الداخل الذين سلموا لهم البلاد على طبق من ذهب.
وفي الشق المقابل مشهد مخز تخجل من تذكره الحروف ، و هو أن يحتفل الاحتلال ومرتزقته في عدن بذكرى الاستقلال وصور المحتل وقتلاه مرفوعة أعلى المنصة ..
وهنا يثور سؤال بديهي يطرحه العامة : كيف بالله عليكم يحتفل المحتل بذكرى استقلال البلد الذي يحتله ويدنس أرضه ؟
و الجواب : هم يحتفلون بعودة الاحتلال لا أكثر ..

قد يعجبك ايضا