السديريون وانقلاب بلون العنف والتطرف
خابت ظنون وآمال دعاة التغيير والإصلاح في السعودية بعد سيطرة الجناح السديري المعروف بتطرفه وجهله على السلطة بعد وفاة عبدالله وإشهاره سيف الانتقام من السلف وأبنائه ومن كان يدور في رحاه فاقتلعوهم منذ اللحظة الأولى لإعلان الوفاة.
فيما الأمور تشير إلى زيادة وتيرة اتجاه البلاد نحو التطرف والعنف والقبلية والتحجر والجاهلية ما يدفع بالكثير لإبداء قلقهم الشديد عما سيجري داخلياً وخارجياً ويشدد المراقبون الواقفون على طبيعة أسرة آل سعود أن الأمور ستزداد تدهوراً داخلياً وخارجياً وستشتد القبضة الحديدية ضد أبناء الشعب وسيزداد الفقر والبطالة وإلغاء الآخر وستشهد المملكة عهداً جديداً من السرقات والتلاعب ببيت المال لحساب السديريين الذين سبق أن أبعدوا في خضم الصراع على السلطة وهم اليوم أكثر من غيرهم متعطشون للعودة للمشهد العام من أجل المال والثروة والنهب والبطش بمقدرات الشعب الذي ما زال صابرا.
وسط إيعاز من البيت الأبيض لكل وسائل الإعلام الأمريكية بعدم التطرق بعد اليوم بخصوص حقوق الإنسان في السعودية وهو ما تعهد به وسيط الانقلاب داخل أسرة بن سعود الموفد الأمريكي الخاص “ماكين” خلال زيارته الأخيرة للمملكة ولقاءاته المكثفة مع متعب وسلمان ورئس جهاز الاستخبارات خالد بن بندر.
سلمان الملك الجديد ليس له قدرة ولا قوة وهو مصاب بمرض الزهايمر ومقرن ضعيف باعتباره ابن جارية يمنية وغير مؤهل هو ونسله من وجهة نظر الأمراء خاصة السديرين لأن يصبح يوما ما ملكا بعد أن كان عبد الله قد عولّ عليه لتولي أبنائه السلطة وذلك بتعيينه ولياً لولي العهد وهو منصب مبتدع وغير مألوف في بلاد الحجاز ، فانقلب السحر على الساحر واستخدم الجناح الرافض والمعادي لمتعب في الأسرة الحاكمة السلاح ذاته لإبعاده عن السلطة وعن أي مركز سيادي وحساس وربما عن السلطة وضواحيها كلها وسط دعم كبير من المتطرفين في المؤسسة الدينية لآل الشيخ الذين هم أيضاً استشاطوا غضباً وغيضاً على التغييرات التي أوجدها عبد الله وقلص مساحة نفوذهم وتدخلهم في الأمور السياسية للمملكة .
وما إن أعلن عن نبأ وفاة عبد الله واعتلى سلمان سدة خلافة آل سعود وقبل أن يعي الشعب ما حل بالبلاد فإذا بالملك الجديد يعلن سلسلة قرارات إقصائية بالغة الأهمية والخطورة كانت جاهزة ومعد لها سلفاً لتطلق الرصاصة الأولى على أعداء السديريين والمسمار الأخير في نعش مثلث “متعب وإخوانه – بندر – التويجري” كما سماه البعض، تمهيداً لمرحلة قادمة ربما ستكون بقرار يعزل فيه مقرن من ولاية العهد ليحل محله محمد بن نايف وهو المراد المدعوم من قبل اللوبي اليهودي الأمريكي وهو ما ظهر للعلن خلال زيارتي بن نايف لواشنطن في غضون شهر ولقائه قيادة التيار المذكور في الكونغرس الأمريكي .
أصدر “سلمان” الذي يعاني من الشيخوخة والخرف ومرض باركنسون الرعاش والزهايمر – حسب تقارير طبية أجنبية، وقبل إعلان نبأ وفاة سلفه “عبد الله” رسمياً عدة أوامر ملكية حسم عبرها الكثير من مناصب السلطة والخلافة بعده، التي وصفها المراقبون بأنها “انقلاب على سياسة سلفه”؛ كان أبرزها تعيين “محمد بن نايف” وليا لولي العهد، والإبقاء على “مقرن” وليا للعهد حيث يواجه معضلة عدم توافق الأسرة الحاكمة حوله.
وتعيين نجله “محمد بن سلمان” وزيرا للدفاع ورئيسا للديوان الملكي، بعد عزله “خالد التويجري” رجل عبد الله القوي، فيما أبقى “متعب” في منصبه وزيراً للحرس الوطني ربما لأيام قليلة حتى تستقر الأمور ويمهد لاقتلاعه جذرياً باعتباره العدو اللدود للسديرين ويعتبر الرقيب الخطر لتولي الرجل الأمني القوي والقريب من واشنطن “محمد بن نايف” الخلافة بعد “سلمان”..
ما يشير الى أن بلاد الحرمين الشريفين تتجه نحو سيناريو “تصارع الأمراء على السلطة والثروة” بالعلن بعد أن كان من وراء الستار في عهد “عبد الله”، في ظل ظروف بالغة الحساسية حيث تحيط بالمملكة المخاطر من الجهات كلها، وأهمها خطر الإرهاب الذي غذته وربته وأوجدته ماكنة البترودولار السعودي وفتاواها المزورة والمزيفة ليفتك بالأمة ومقدساتها ومقدراتها .
ففي هذا الإطار نسبت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير لها بعنوان: “وفاة العاهل السعودي الملك عبد الله تفتح الباب لعملية الخلافة المعقدة ” نقلاً عن مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية، بقوله إنه: “بالنسبة لمسؤولي واشنطن، فإن الجيل المقبل من القادة السعوديين يُرمز إليه بالأمير محمد بن نايف ولي ولي العهد وهو الرجل الذي يتسم بالمهارة والحداثة، لكن التناقض في السعودية هو أن المملكة اعتمدت في شرعيتها على اتفاق مع الزعماء الدينيين المسلمين المتطرفين والمتشددين، واليوم تواجه هي خطر الإرهاب والتطرف المرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية، فربما يميل القادة السعوديون لتكرر الأسلوب القمعي والحكم من خلال القوة القمعية في الداخل بذريعة محاربة الإرهاب كما حدث من قبل بقيادة محمد بن نايف أيضا عندما كبح جماح المعارضة السنية في الوسط السعودي تحت يافطة محاربة القاعدة..” .
ويرى البعض الآخر أن الوضع مظلم وتسيطر عليه المخاوف وذاهب نحو سوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية داخلياً وخارجياً حيث أن “الملك الجديد” لا سلطة له وأن من يحكم المملكة العربية السعودية الآن ليس الملك سلمان فهو “لا أمر لمن لا يطاع” لوضعه الصحي الصعب ولا ولي عهده “مقرن” الشخص الضعيف وغير المرغوب فيه عائلياً، بل إنما تدار السلطة عبر محمد بن نايف ومحمد بن سلمان المتهوران والمتطرفان ولهما علاقات وثيقة مع المؤسسة الدينية المتشددة والمتحجرة عقلياً ما يزيد من القلق الدولي والإقليمي وأنهما يحملان عداءاً دفيناً تجاه دول مجلس التعاون ما سيعرض أمن واستقرار هذه الدول لمخاطر عودة التطرف الى أوساطها من جديد خاصة الكويت والإمارات – حسب تقرير أمني غربي .
المملكة وأهلها شهدوا وبكل هدوء – حتى هذه اللحظة – انقلاباً مدمراً بلون العنف والتطرف والعودة نحو القبلية والجاهلية في ظل ظروف عصيبة تجتاح المنطقة والعالم وارتفاع الدعوات للإصلاح والتغيير الضروريان في بلاد الحجاز، وهو ما أكدته صحيفة “هافينغتون بوست” الأمريكية في مقال بقلم الكاتب البريطاني الشهير”ديفيد هيرست” تحدث فيه عن وقوع انقلاب داخل القصر الملكي السعودي قائلا: إن كل ما حدث في المملكة خلال الساعات الأخيرة في حياة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز كان انقلاباً بمعنى الكلمة دون أن يسمى انقلابا علنيا حيث أطيح بفكرة دخول الأمير متعب نجل الملك السابق عبد الله إلى سلم الخلافة، وجيء بدلا منه بالأمير محمد بن نايف كنائب لولي ولي العهد وذلك باتفاق مع السديريين، وأضافت أن السديريين الأغنياء والأقوياء سياسيا والذين أضعفوا من قبل الملك الراحل عبد الله عادوا من جديد وأحدثوا انقلابا داخل القصر”.وأشار الكاتب أيضا أنه “هناك تخوف في الغرب من عودة العنف والقمع والتطرف إلى الداخل السعودي وهو ما سيعرقل انتقال السلطة الى جيل كان يعول عليه سيره نحو نوع من الانفتاح في حرية الرأي والمشاركة الشعبية طبقاً للمواصفات الغربية…” .
* كاتب سعودي
* نقلاً عن وكالة انباء فارس