شابالا

عدنان باوزير
* المشهد الأول المكلا – ( قصر الإمارة)

مجلس أمير المؤمنين يسوده الوجوم , وفي صدره يجلس الأمير مطرقاً وهو يمشط بيده اليسرى شعر لحيته الكثة , وفي يده الأخرى مسواك ينظف به اسنانه , وهو مستغرق في التفكير . فيدلف المجلس الأمير الشاب أبو القعقاع وهو يصيح ( أبشر يا أمير المؤمنين … أبشر يا مولانا الأمير ) , فيعتدل الأمير في جلسته قائلاً : وكيف ذلك يا داهية الفِراش ؟ ( هكذا لقبته الجماعة ,لولعه الشديد بالجنس ) , فيجيبه أبو القعقاع , أبشر يا مولانا الأمير , ولا تجزع من مقدم الإعصار ,فسبحان الله محوّل النقمة إلى نعمة , فلقد رأيت فيما يرى النائم أن الأعاصير تجلب معها أحياناً , حوريات البحر الساحرات !! فضحك الأمير مستبشراً حتى بانت ثناياه , وضحك أبو القعقاع , وضحك الحضور متأسين بالأمير , بينما اعتصر قلب الإعصار من الألم , وهم بالانحراف عن مساره ميمماً شطر المشرق . وفي أقصى يسار المسرح , تظهر ملكة الحوريات في قاع المحيط وقد غطت مذعورة , موطن عفتها بكلتا يديها , وسبحت بعيداً نحو سواحل مجهولة , حيث ستشاهد بعد أسبوع في المحيط الهادي , وهي ترتدي الحجاب , وقد أكرمها الله بنعمة الإسلام !

يعم المجلس بعد ذلك نقاش مستفيض عن حوريات البحر , ويسود اللغط بعد أن تدخل أمير احكام الشريعة , الجلف والذي عرف عنه ,انه لا تأخذه في الله لومه لائم , مقرعاً أبا القعقاع , قائلاً (ان حور العين سر من أسرار الجنة , ادخره الله للمجاهدين الصابرين , ولا يظهرن في الدنيا ) , مما استدعى تدخل أمير المؤمنين موضحاً له , ان حوريات البحر, غير حور العين ,وأنهن كائنات جميلة , نصفهن سمكة , والنصف الآخر امرأة بالغة الجمال , فسكت أمير الشريعة , وهو يتمم بكلمات غير مسموعة , تنم عن عدم اقتناعه , وتحوّل النقاش عن تفاصيل ذلك الكائن, وعن شكل حراشفه , هل هي مؤذية , أم لا , وهل يستدعي الدخول بهن عقدا شرعيا, ثم عاد وأحتدم حول شكل لبس المرأة في الإعصار , بحيث يجب أن تضمن عدم التصاقه بجسمها , وظهور مفاتنها , أو أن ترفعه الرياح عن أصغر أصابع رجلها ,فتنكشف عورتها , بعد أن كان مقرراً له في الأصل أن يكون عن كيفية مواجهة الإعصار , وحماية الناس من تداعياته . ثم أسدل الستار كما بدأ على أصوات تكبيرات الجماعة !!

* المشهد الثاني: المكلا – صبيحة يوم الإعصار(مشهد حقيقي)

في مشهد رعب حقيقي , تجوب شوارع المكلا دوريات إعلاميه راكبه , في سيارات من غير أرقام , سيّرها أمير الإعلام (النشط) , وهي تنادي ( أيها الناس ) , وتكرر عبارات توحي للناس ان يوم القيامة بات على الأبواب , وتكرر عبارة ( سامحونا ) , مما أرعب الناس عوضاً عن تطمينهم , وتردد بعض التعليمات عن كيفية مواجهة الإعصار ,وعلى بديهية تلك التعليمات وسذاجتها , إلا ان المواطنين لا يملكون إلا ان يقولوا لهم (جزاكم الله خيراً, كقولهم مثلاً ( لا تشربوا المياه الوسخة ) , علماً ان الماء في المكلا مقطوع ,منذ أسبوع , بينما اتخذ أمير الكهرباء بعض الاحتياطات ,فقطع الكهرباء عن المدينة قبل الإعصار ب (14) ساعة, في محاولة (ذكية)وصفت انها لتضليل الإعصار ! ولا يقطع مرور تلك الإذاعات المرعبة المتجولة, غير مرور سيارة (الحسبة) المسروقة التابعة للجماعة , وهي تذكر الناس بأوقات الصلاة , بين فينة وأخرى . ولابد من الإشارة هنا, إلى أن المكلا كانت تملك إذاعة محلية رائدة ورائعة, قام تنظيم القاعدة بإحراقها عند دخوله المكلا, وكان يمكن له بقدر قليل من الذكاء استخدامها بوقاً له , عوضاً عن هذه الطريقة البدائية.

* المشهد الثالث ( لجان الإعصار) ( مشهد حقيقي)

لم يفت القاعدة تشكيل لجان لمواجهة الإعصار, وتولى مجلسها الأهلي (غطاءها السياسي الهش) تشكيل لجان أيضا, المحافظ الهارب بدوره, اجتمع بأعوانه في عزبته في الرياض, وشكل لجانا, أئمة المساجد شكلوا كذلك, الصيادون, عقال الحارات, رواد المقاهي, عيال الجيران, حتى الجن أشك أنهم أيضاً شكلوا لجانا, وفي حين كانت تلك اللجان تواصل اجتماعاتها وتجمع التبرعات من الداخل والخارج, تُركت المكلا وحدها تواجه الإعصار شابالا , في فصل آخر من فصول مأساتها الإنسانية الرهيبة.

قد يعجبك ايضا