تحقيق/عبدالله الخولاني –
الشهر انتهى الموظفون يقفون بالطوابير أمام الصرافات الالية للبنوك ونوافذ امناء الصناديق يستلمون مجهود شهر من العمل لكن فرحتهم لدقائق معدودة تنتهي مع دخول الحي الذي يقطنونه وهنا يبدأ مشهد آخر بتفاصيله الدقيقة التي تحكي معاناة شريحة الموظفين مع راتبهم فصاحب البقالة يفتح دفتره ويحدد المبلغ المطلوب دفعه ومالك العمارة يظهر مثل عزرائيل دون استئذان وفواتير الماء والكهرباء مزينة بمقص الفصل ذو اللون الأحمر والزوجة منتظرة بفارغ الصبر ومستعدة بقائمة من الطلبات نافذة ومحصنة وغير قابلة للنقض حقيقة تكشف وضع الموظف في اليمن الذي يعيش على الدين .
الراتب والموظف في اليمن هي قضية صراع من اجل البقاء وفي نفس الوقت تمثل معادلة مختلة تبين حالة من عدم الاستقرار والتيهان لشخص يقضي معظم اوقاته في حسبة معقدة لكيفية توزيع الراتب على متطلبات الحياة معادلة جهل عنها مؤلفو علم الرياضيات الأوائل فالحسبة القائلة 1 + 1= 2 وهي معادلة ليست بغريبة أو معقدة وإجابتها واضحة وجلية أما الحسبة التي تقول 40-100 = – ¿ فهذه حسبة غير معروفة وغير دقيقة الإجابة.
معاناة حقيقية
الحسبة الأخيرة هي تعبير عن متوسط راتب الموظف في اليمن 40ألف ريال الدخل الشهري والمطلوب هو 100ألف ريال لتوفير الحدود الدنيا من متطلبات الحياة اليومية ولكن الإجابة يعتبرها البعض غير واقعية ولكن هذا هو الحال وهذه المعادلة هي تعبير واضح عن معيشة الموظف ومدى معاناته الحقيقية من اجل الوصول الى بر الأمان لمدة ثلاثين يوميا حتى استلام الراتب الجديد يوم السعد والفرحة ولكن ما إن يتم التوزيع وفق التبويب لموازنة الاسرة المعدة سلفا من الزوجة حتى يتم مخالفة ما تم اعداده والبدء بعملية التأجيل والشطب والالغاء لأغلب الطلبات والقيام بعملية المناقلة بين الاعتمادات ولكن دون جدوى وهي فرحة ما تمت لتبدأ أيام التعاسة والشقاء والدين على ذمة الراتب المنتظر قدومه حياٍ إن شاء الله هذا في حال لم توافه المنية قبل وصوله بحالة مرضية .
الموظف يخاف الزيادة
يؤكد الاقتصاديون أن زيادة الرواتب والأجور قضية جوهرية لأنها تؤدي إلى تحريك الطلب الداخلي وبالتالي تفعيل مواقع الإنتاج وخاصة في ظل ما يشبه الركود الاقتصادي الذي تعيشه اليمن ولكن رفع الرواتب في اليمن أصبحت غير ذات جدوى لأن الاسعار ترتفع اضعاف الزيادة في الأجور حتى اصبح الموظف يخاف من أية زيادة نتيجة التكلفة التي ستدفع من قوته اليومي لهذه الزيادة.
ويوضح الدكتور صلاح الدبعي أن زيادة الرواتب لا تعد (تكلفة اجتماعية) بل يجب أن ترتبط ارتباطاٍ مباشراٍ بزيادة الإنتاجية فكلما ارتبطت معدلات الرواتب مع معدلات الإنتاجية قل الخوف على الدورة الاقتصادية وعلى الخلل ما بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية.
رواتب ضئيلة
ويضيف: ومع ذلك لا أتفق مع الذين يقولون أن زيادة الرواتب والأجور غير المترافقة مع زيادة الإنتاجية ستؤدي إلى زيادة معدلات التضخم فنسبة الرواتب والأجور لا تزال متدنية مقارنة بقيمة الناتج المحلي الإجمالي وتشكل نسبة متواضعة من تكاليف السلع والخدمات وأن مراكز التكلفة تتركز في جانب الرأسمال على حساب عنصر العمل.
صدمة
وفي حال أردنا أن نقف وقفة واقعية على رقم هذا الراتب والسبل التي يأخذها خلال أيام الشهر فإننا سنقف على وقائع صادمة. فالموظف الذي راتبه 40ألف ريال ألف ولديه أسرة مكونة من خمسة أشخاص فقط أي أنها أسرة مكونة من رب الأسرة الموظف نفسه وزوجته وثلاثة اولاد أحدهم رضيع والآخرون موزعون على المراحل الدراسية المختلفة وهذا النموذج من الأسرة موجود بكثرة في مجتمعنا اليمني ونعتبر راتب الموظف مثل الرحلة تبدأ منذ أن يقبض الموظف راتبه وهو بداية الشهر.
رب الأسرة الموظف بعد أن يقبض راتبه سيبدأ بتلبية احتياجات منزله من المواد الغذائية الأساسية وغيرها والمتمثلة بـ 🙁 القمح -زيت رز – سكر – الغاز – حليب اطفال -مواصلات -الاتصالات -فواتير الكهرباء والمياه والشاي خضروات وفواكه -صابون -بعض الأدوية العادية )وفي حال قمنا بجمع أسعار هذه المواد فإن القمح سيكلفه 5 آلاف ريال شهريا أما السمون في حال استخدم السمن العادي من النوع الوسط فإن سعر العلبة يصل إلى3500ريال . قطمة الارز العادية بـ2000ريال و2500للسكر أما الغاز فهو يحتاج وسيطاٍ إلى أسطوانتين شهرياٍ بسعر 2600ريال و4000ريال لحليب الأطفال أما فوط الأطفال فهو يحتاج إلى 1500ريال شهرياٍ. الاتصالات يحتاج إلى تعبئة بـ 1000ريال .. أما المواصلات فهو يحتاج إلى 3000 ريال في حال كان يسكن في وسط العاصمة و4000ريال لفواتير الماء والكهرباء و1000ريال للشاي أما الألبان يعتمد لها 1000ريال و5000 ريال للخضار والفواكه و1000ريال للمنظفات و 2000 للأدوية العادية المستخدمة للبرد والأعراض المعروفة مثل ألم الرأس و20ألف ريال للإيجار.
خارج الحسبة
المواد والسلع السابقة لا يمكن لأي أسرة أن تستغني عنها ولا تحتوي على أية مادة من مواد الرفاهية كما أننا لم نذكر بعض المواد الغذائية الأخرى مثل الجبنة والبيض والبقوليات وكذلك الألبسة والأحذية وحالات الطوارئ ولم نذكر أي جانب للأطفال سواء الألعاب أو التنزه وشراء بعض المشروبات مثل العصائر أو المياه الغازية أو بعض اللحوم , كما لم نذكر موسم الأعياد والمدارس وغيرها والتي تحتاج إلى مبالغ اضعاف الراتب الحالي.
الحسبة السابقة اقتصرت على السلع التي تستخدم شهرياٍ ومع ذلك في حال جمعنا الأرقام السابقة فإن مجموعها هو60000ريال أي أن مجموع المواد السابقة يفوق راتبه بـ 20000 ريال وهنا لا بد للموظف أن يتقشف أكثر من التقشف المذكور ليستغني عن إحدى السلع الأساسية لكي يكفيه راتبه ويخرج بنهاية الشهر كما يقال (رأس برأس) ولكن رغم هذه معادلة يصعب تحقيقها من قبل غالبية الموظفين.
لذا فهو سيقوم بالاستغناء عن بعض السلع كما أنه سيخفض كمية الفواكه ومصروفاته إلى الحدود الدنيا بمعنى يحتاج إلى معادلة رياضية ربما يعجز جهابذة المخططين الاقتصاديين عن حلها.
و هنا نصل إلى نتيجة مفادها أن الراتب الحالي لهذا الموظف لا يكفيه أن يعيش عيشة كريمة لأنه في حال أراد أن يشتري أي سلعة زائدة عن السلع المذكورة أعلاه فإنه سيضطر إلى الدين وهنا لا بد من تأكيد رفع الحد الأدنى للأجور في القطاعين العام والخاص وردم الهوة الكبيرة بين الأسعار والأجور.
تطابق معدوم
تمثل سياسة الأجور الركن الأساسي لتصحيح العلاقة بين الأجور والأسعار بدءاٍ بتصحيح العلاقة بين الأجور ومستوى الأسعار بمعنى تطابق الحد الأدنى للأجور مع الحد الأدنى لمستوى المعيشة من خلال الاستناد إلى مؤشر الأسعار لتحقيق الربط بين الأجور والأسعار بعد كل ارتفاع في الأسعار ولاسيما أن كل ارتفاع في الأسعار يعني انخفاضاٍ في القوة الشرائية وأن كل انخفاض في القوة الشرائية يعني انخفاضاٍ في الطلب وأن انخفاض الطلب يعني زيادةٍ في المخزون وأن زيادة المخزون تعني الكساد ,وهذا كله حسب الدكتور السالمي تباطؤ الدورة الإنتاجية وبالتالي فإن من يرفع الأسعار ويربح هو بالنهاية من يضرب دورة عملية إعادة الإنتاج من خلال ضرب الإنتاج نفسه وهنا تكمن أهمية وجود مؤشر للأسعار يقيس مقدار الارتفاعات الدورية لها. يضاف إلى ذلك أنه لابد من وجود نظام ضريبي فعال على الأرباح- يسمح بتأمين موارد زيادات الأجور- وعادل يسمح بتطور الإنتاج ولا يسمح بهبوطه.
في حين أبدى أحمد المتوكل (موظف – قطاع عام) استغرابه من الحالة التي وصل إليها الموظفون الحكوميون من معاناة مستمرة مع الأسعار فكل زيادة يحصل عليها الموظفون في الرواتب يلتهمها التجار من خلال رفع الأسعار .
ويضيف:إن ارتفاع الأسعار أفسد فرحة الموظفين بالزيادة الجديدة وهو ما يتطلب من الحكومة ضبط الأسواق فليس من المعقول أن ترتفع الأسعار مع كل زيادة يحصل عليها الموظفون.
العدالة غائبة
وبحسب اقتصاديين فإن جوهر المشكلة يتمثل باتساع حجم الهوة بين الأجور والأسعار وهذه الهوة ناجمة بالأصل عن تراجع حصة الفرد من الدخل الوطني وانخفاض العدالة في توزيع الدخل الوطني بين الأجور والأرباح ولا يمكن رد أساس المشكلة إلى الزيادة السكانية إذ أن هنالك أسباباٍ أخرى أكثر عمقاٍ وتكمن في انخفاض وتيرة تطور الدخل الوطني عن النسب المطلوبة الكفيلة بمنع انخفاض حصة الفرد منه.
اصلاح الأجور
ويؤكد خبراء الإدارة أن إصلاح الأجور والرواتب أهم بكثير من زيادتها حيث يتطلب رسم سياسة جديدة للأجور والرواتب توسع قوس الرواتب بين الحدين الأعلى والأدنى كما لا ننسى عيوب سياسة الأجور والرواتب في القطاع الخاص .
مشيرين إلى أن الموظفين في المستقبل سيرفضون أي زيادات مادامت مرتبطة بارتفاع الأسعار لأنها ستسهم بشكل كبير في ارتفاع معدلات التضخم في البلاد وهو ما يتطلب على الحكومة أن تعمل على تخفيض أسعار المواد الغذائية باعتبار أن الغذاء يستحوذ على نحو غالبية إنفاق الأسر اليمنية.
حل
الدكتور الدبعي خلص إلى نتيجة مفادها أنه لا يوجد سوى حلين أمام المسؤولين والحكومة : إما رفع الحد الأدنى للأجور أو خفض الأسعار بما يتلاءم والأجور.
Prev Post
Next Post
قد يعجبك ايضا