المؤمن الحق لا ييأس من (رَّوْح) الله

قال تعالى {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ?للَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ?للَّهِ إِلاَّ ?لْقَوْمُ ?لْكَافِرُونَ } [يوسف: 87].
وعلَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أنه كلما حَزَبه أمر قام وصلى “.
وبهذا لجأ إلى ربِّ الأسباب، وسبحانه فوق كل الأسباب، وجَرِّبوا ذلك في أيِّ أمر يُعضِلكم، ولن ينتهي الواحد منكم إلى نهاية الصلاة إلا ويجد حَلاّ لِمَا أعضلَه.
وكلمة ” رَوْح ” نجدها تُنطَق على طريقتين ” رَوْح ” و ” رُوح ” ، و”الرَّوْح” هي الرائحة التي تهبُّ على الإنسان فيستروح بها، مثلما يجلس إنسان في يوم قَيْظ؛ ثم تهبُّ نسمة رقيقة ينتعش بها.
والحق سبحانه يقول: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } [الواقعة: 89].
ونأخذ لهذه الروح مثلاً من المُحسَّات حين يشتد القيظ، ونجلس في بستان، وتهبُّ نسمة هواء؛ فيتعطر الجو بما في البستان من زهور.
والرُّوح هي التي ينفخها الحقُّ سبحانه في الجماد فيتحرك.ويأتي هنا يعقوب عليه السلام بالقضية والمبدأ الذي يسير عليه كل مؤمن، فيقول: { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ?للَّهِ إِلاَّ ?لْقَوْمُ ?لْكَافِرُونَ } [يوسف: 87].
لأن الذي ليس له رَبٌّ هو مَنْ ييأس، ولذلك نجد نسبة المنتحرين بين الملاحدة كبيرة، لكن المؤمن لا يفعل ذلك؛ لأنه يعلم أن له رباً يساعد عباده.
وما دام المؤمن قد أخذ بالأسباب؛ فسبحانه يَهبُه ممَّا فوق الأسباب.
وسبحانه يقول:
{ وَمَن يَتَّقِ ?للَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ?للَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ?للَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ?للَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } [الطلاق: 2-3].
وهذه مسألة تحدث لمن يتقي الله.. ما دام يأخذ بالأسباب ويتقي الله، وسوف يجد في لحظة من لحظات الكرب أن الفرج قد جاء من حيث لا يحتسب؛ لأن الله هو الرصيد النهائي للمؤمن.
وهَبْ أنك سائر في الطريق، وفي جيبك جنيه واحد، وليس عندك غيره وضاع منك؛ هل تحزن؟ نعم سوف تحزن، ولكن إن كان في بيتك عشرة جنيهات فحزنك يكون خفيفاً لضياع الجنيه، ولو كان رصيدك في البنك ألفاً من الجنيهات، فلن تحزن على الجنيه الذي ضاع.
ومَنْ له رَبٌّ، يبذل الجَهْد في الأخذ بالأسباب؛ سيجد الحل والفرج من أيِّ كرب مِمَّا هو فوق الأسباب.
ولماذا ييأس الإنسان؟
إن المُلحِد هو الذي ييأس؛ لأنه لا يؤمن بإله، ولو كان يؤمن بإله، وهذا الإله لا يعلم بما فيه هذا الكافر من كَرْب، أو هو إله يعلم ولا يساعد مَنْ يعبده؛ إما عجزاً أو بُخْلاً، فهو في كل هذه الحالات ليس إلهاً، ولا يستحق أن يُؤمَن به.
أما المؤمن الحق فهو يعلم أنه يعبد إلهاً قادراً، يعطي بالأسباب، وبما فوق الأسباب؛ وهو حين يمنع؛ فهذا المَنْع هو عَيْنُ العطاء؛ لأنه قد يأخذ ما يضره ولا ينفعه.
وينقلنا الحق سبحانه إلى نَقْلة أخرى؛ وهي لحظة أنْ دخلوا على يوسف عليه السلام في مقرِّه بمصر؛ ونقرأ قوله الحق: { فَلَمَّا دَخَلُواْ… }.

قد يعجبك ايضا