عندما يتساءل السعوديون:  من أين يأتي الإرهاب

يبدو أن المملكة السعودية اعتادت أن لا يرفع أحد صوته ضد ممارساتها العنصرية والمذهبية خلال موسم الحج. فطوال القرنين الماضيين، منذ أن أُسست المملكة ووضعت يدها على مكة المكرمة ونصبت نفسها مسؤولة عن تنظيم هذه الشعيرة الإسلامية الكبرى، والمملكة تمارس طغيانا كبيرا على الحجيج القادم من جميع أقطار الأرض. تفتشهم بحثا عن كتاب أو ورقة دون عليها حديث أو دعاء لا تقبل به الوهابية. تنشر عسكرها و«مطاويعيها» بين الحجيج مدججين بالعصي ينهرون من يمارس طقسا لا تقبل به مؤسستهم الدينية. تمنع رفع شعارات التوحيد والتبري من الاستكبار، لأنه تسييس للحج بنظرهم، فيما شعارات الطاعة للملوك “أولي الأمر” مرحبا بها وهي من أساس التوحيد والعقيدة الوهابية التكفيرية.
يسقط الحجيج بالتدافع تارة، وبالاختناق في الأنفاق والقطارت لأعطال فنية تارة أخرى، ولا ينبغي لأحد بل لا يحق له الاعتراض. تختفي البشر ولا يسمح لذويهم أو دولهم بالسؤال. يدفنون سرا دون تحديد هوياتهم، ولا ينبغي الاعتراض. فإذا ما قرر أحدهم رفع الصوت والقول “كفى” اتهم بالتسييس. فيتحول المطالب بمعرفة مصير مواطنيه وبحقيقة ما جرى إلى “مجرم”، فيما المسؤول عن الجريمة أولا ثم المسؤول عن إخفاء معالم ما جرى هو المستهدف والضحية.
السعودية
إنها باختصار حقيقة ما يجرى حول قضية شهداء حادثة منى لهذا العام. فمنذ أن طالبت إيران بمعرفة ما جرى ومعرفة مصير عشرات الحجاج الذين لا يزال مصيرهم مجهولا والصحافة السعودية لم تهدأ، تبعا لمسؤولي المملكة، في شن الحملات الهجومية على الجمهورية الإسلامية في إيران.
فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة “الحياة” تقريرا من جنيف بعنوان: “السعودية تصعِّد ضد إيران: الدولة الوحيدة التي ارتكبت جرائم في الحج”.
ولا يحتاج المرء لقراءة المقال، فدلالة العنوان تكفي للإشارة كيف أن مجرمي آل سعود الذين دأبوا على قتل الحجيج يتهمون الضحايا بأنهم من ارتكبوا جرائم في الحج. مرددة السيمفونية نفسها : “رفض المملكة تسييس حادثة تدافع منى”، وأنها ترفض التدخل في شؤونها. وبغض النظر عن الكم الهائل من تدخلات المملكة في شؤون الآخرين في اليمن وسوريا، حتى أصبح مسؤولوها لا يترددون في التدخل السافر في خيارات الشعب السوري والإملاء عليهم من يحق له أن يكون رئيسهم ومن لا يحق له، أقول: بعيدا عن هذا الأمر فإن شعيرة الحج ليست شأنا داخليا سعوديا. ومع ذلك فإن التعامل بشفافية مع حوادث الحج والسماح للدول الأخرى بالمشاركة بالتحقيق في حادثة منى يعطي انطباعًا شفافا عند الأطراف الأخرى، فيما رفض ذلك واستمرار التعتيم على عدد الضحايا والكشف عن مصير مئات المفقودين يشير بشكل لا جدال فيه أن وراء الأكمة ما وراءها. على أن المضحك والطريف هو قول الصحيفة واتهامها لإيران بأنها تريد تسييس”الحادثة الأليمة، ومتاجرتها بآلام الضحايا، وتسخيرها للحادثة لخدمة أهداف سياسية، على نحو لا تراعي فيه حرمة الشعائر الدينية، ومشاعر أسر الضحايا”. فهل احترام مشاعر أسر الضحايا يكون باستمرار التعتيم على مصير المفقودين، فيما المطالبة بمعرفة مصيرهم يعتبر إساءة لهذه المشاعر؟؟
نموذج آخر من الصلف السعودي ظهر في صحيفة الحياة أيضا بقلم «نجلاء رشاد» التي فقدت، على ما يبدو، رشدها. فمقالتها التي كانت بعنوان «الشغب الإيراني بدأ بتهريب المتفجرات» سعت فيها لتحريف الحقائق قائلة : «لم تملك «إيران» تاريخاً مشرفاً مع الحج…ففي عام 1986 حاولت إيران تخريب موسم الحج، إلا أن الأجهزة الأمنية السعودية تمكنت من إفساد مخططاتها، بعد أن ضبطت كميات من المواد المتفجرة الخطيرة في حقائب حجاجها.» نعم تخيلوا محاولة تهريب متفجرات في الحقائب؟ أي غباء هذا الذي ابتدع كذبة كهذه؟ كل ذلك فقط للتغطية على جريمة آل سعود حيث أطلق الرصاص الحي على الحجاج العزل إلا من صوت رُفِع للبراءة من المشركين. ومع ذلك فاللافت هو عبارة «تاريخ مشرف لإيران» فأي تاريخ مشرف لمملكة الظلام؟
أما «فاطمة العتيبي»، والتي لم تجعل الحمق يعتب عليها، فقد كتبت لصحيفة الجزيرة مقالا بعنوان : «أتباع المرشد وأتباع الملالي». هو أشبه بفتوى هدر الدم لكل من لا يحمل العقيدة الوهابية. فكل من لا يحمل هذه العقيدة هو إما تابع لمرشد الأخوان المسلمين وأما من أتباع «ملالي إيران» ولذلك فهي تخلص إلى النتيجة التالية : «هذان الفريقان الخارجان على الدولة الحاقدان المثيران للفرقة والفوضى، نحن كمواطنين مسؤولون عن توعية أنفسنا وأبنائنا كي نعرفهم جيدا ونفهم حقيقتهم وندرك أنهم مثل من بيده مسمارا ويخرق سفينتنا السائرة بين الأمواج تجاه الشاطئ. فهل ندعهم يفعلون؟»
الجواب، وفق هذا المنطق، بالطبع لا ندعهم يفعلون ذلك. فما الحل إذن؟ اقتلوهم حيث ثقفتموهم… فهل يصح بعد ذلك أن يكتب الكاتبون ويدون المدونون في الصحافة السعودية بشكل خاص والخليجية بشكل عام من أين يأتي الإرهاب؟ ألم يأن للشعب الخليجي أن يعلم الحقيقة: حيث يوجد وهابية يوجد إرهاب!

* نقلاً عن العهد الإخباري

قد يعجبك ايضا