الأوضاع اليمنية بعد الحرب العالمية الأولى والثانية وطمس معالم اليمن القديمة والحديثة

أما بعد التعرف على وحدة اليمن عبر التاريخ فيما سبق ننتقل إلى الأوضاع السياسية بعد الحربين العالميتين الأولى التي بدأت في عام 1914 وحتى 1918م والحرب العالمية الثانية التي بدأت من عام 1939 وحتى 1945م.
وغني عن القول أن اليمن السعيد تحول في عهد الأئمة والاستعمار إلى أفقر البلدان وأكثرها جمودا وأشدها تخلفا وباختصار القول: إن الأتراك عندما رحلوا من شمال اليمن إثر هزيمة الإمبراطورية العثمانية نهاية الحرب العالمية الأولى عملوا على ترسيخ تجزئة اليمن الواحد وذلك بالتواطؤ من الاستعمار البريطاني حيث تم التوقيع على اتفاقية عرفت بتحديد مناطق النفوذ البريطاني – العثماني في اليمن عام 1904م حيث تم التصديق عليها في عام 1914م.
وهكذا وجد الشعب اليمني نفسه مع بدايات عشرينات القرن الماضي محاصرا أمام نظامين وشكلين من القمع والاستغلال والظلم والعبودية من قبل المملكة المتوكلية اليمنية في الشمال والاستعمار البريطاني في الجنوب.
أما حكم الإمام أحمد في شمال اليمن بعدما ورث الإمبراطورية العثمانية تفرغ لتثبيت حكمه وذلك بتكريس كل أشكال القهر وفنون نهب أموال الشعب عبر الضرائب والتنافيذ والخطاط والسخرة والرهائن.
كما عمل على تشريد اليمنيين في مختلف أصقاع الأرض وفرض عزلة قاتلة على البلاد حتى لا تدخل إليها حضارة العصر الحديث وثقافته وإعلامه وصحفه وبذلك أمات النظام الإمامي كل القيم والمثل وطمس معالم اليمن القديمة والحديثة.
وتكمن خطورة السياسة الإمامية في حرمان اليمنيين من وسائل الحياة العصرية مثل الصحة والتعليم وغيرهما من وسائل الحياة الطبيعية للبشر.
فقد عمل على تجزئة اليمن وذلك من خلال توقيعه على “معاهدة” 1934 مع الاستعمار البريطاني والتي كرست لاحتلال الشطر الجنوبي من اليمن وأعطت لإنجلترا شرعية البقاء لمدة أربعين عاما في الجنوب وعلى الرغم من أن الإمام لم يعترف بسيادة بريطانيا على الجنوب واعتبر عدن والمحميات الشرقية والغربية جزءا لا يتجزأ من اليمن إلا أن النتائج العكسية لتلك المعاهدة على حياة ومصير الشعب اليمن في الجنوب وتجزئته كانت مريعة.
ولم يكتف الاستعمار البريطاني بتقسيم اليمن الجنوبي ولكنه عمل هو الآخر وخلال 139 عاما من الاحتلال على تمزيق الجنوب إذ خلق ثلاثين إمارة ومشيخة وسلطنة حيث غرس بذلك بذور الثقافة الاستعمارية المعادية للوطنية والقومية وروج للأفكار العشائرية والمناطقية وذلك بتوقيعه على معاهدات مزيفة مع السلاطين والأمراء فيما كان يسمى بالمحميات الشرقية والغربية بهدف ترسيخ واقع التجزئة والضعف والتخلف وعزل تلك المناطق عن اليمن الواحد وذلك بعدم السماح لهم بالزيارات إلا بالحصول على تأشيرة دخول من قبل المحمية الأخرى أي “فيزه”.
كما أوجد في نفس الوقت آنذاك وفي مدينة عدن جاليات أجنبية استقدمها من دول الكومنولث أي من الدولة المستعمرة التابعة لبريطانيا مثل الصومال والهند وباكستان وكينيا والحبشة وغيرهم واعتبرهم مواطنين يمنيين عدنيين في حين تنظر إلى اليمنيين من المناطق الشمالية والجنوبية مهاجرين لا يملكون حقوق المواطنة وكان هؤلاء يمثلون 72% من اليمنيين الذين كانوا يعيشون في تلك الأيام في عدن.
وبنهاية الأربعينيات من القرن الماضي حيث كان العالم يقف على أعتاب مرحلة جديدة بما تحمله من تطورات خطيرة وتغيرات سريعة وعاصفة.
فقد قاد الحزب النازي في ألمانيا بزعامة هتلر والحزب الفاشي في إيطاليا بقيادة موسوليني بلديهما والعالم إلى الحرب العالمية الثانية من عام 1935 – 1945م التي انتهت بفاجعة مروعة بفعل القنابل النووية الناجمة عن إلقاء الأمريكان لأول قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما اليابانية في 5/8/ 1945م في حين سيطر الاتحاد السوفيتي على نصف القارة الأوروبية.
وقد تهيأت الظروف والعوامل السياسية والاجتماعية في تلك الفترة لتحول دول المحور المنتصرة في تلك الحرب إلى كتلتين متصارعتين فهناك المعسكر الاشتراكي بقيادة موسكو في مواجهة المعسكر الرأسمالي بزعامة واشنطن.
فقد بدأ هذا المعسكران حربهما الباردة وذلك بنشر رؤية كل منهما للديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الصحافة كما أن حدة تنافس المعسكرين قد زادت مع إصدار الأمم المتحدة في 10/12/1948م للإعلان العالمي لحقوق الإنسان كوثيقة هامة مثلت هي الأخرى انتصارا للشعوب العالمية إذ أكد الإعلان على أن لكل إنسان الحق في حرية الرأي والتعبير وتضمن هذا الحق حرية اعتناق الآراء بمأمن من التدخل وحرية التماس المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها بمختلف الوسائل دون تقيد بحدود الدولة (المادة 19) ولكل إنسان الحق في حرية حضور الاجتماعات والانضمام إلى الجمعيات ذات الأغراض السلمية (مادة 20) .
ففي تلك الأجواء انتعشت حركة التحرر الوطنية والنقابات المهنية والعمالية وانتشرت الأحزاب والتنظيمات السياسية في مختلف بلدان العالم كما في الدول العربية والتي انقسمت في

قد يعجبك ايضا