هل تخلت واشنطن عن اليمن ¿!

هناك من هم على قناعة في اليمن وخارجه أن الولايات المتحدة لم تعد لديها رؤية أو سياسة محددة تجاه الأحداث الدائرة في اليمن وذلك بعد أن تخلت الإدارة الأمريكية الحالية كليا عن هذا البلد ونفضت يدها عن الملف اليمني وقررت مطلع العام الفائت سحب دبلوماسيها ورعاياها وإغلاق سفارتها في صنعاء دون تفسير أو أسباب لما بات يعرف بالإحجام الأمريكي عن التورط في هذا الملف.
فهل تخلت واشنطن فعلا عن اليمن الذي كانت تصفه حتى الأمس القريب بالحليف الاستراتيجي في مكافحة الإرهاب وآفة التطرف ¿ سؤال يبدو أن الكثيرين منشغلون في محاولة الإجابة عنه لمعرفة ما الذي جعل واشنطن تبدو بهذا الموقف نحو اليمن الذي ظل (نظريا) حليفا طيعا لكل ما يمل عليه من واشنطن إلى درجة أنه الذي لم يرفض يوما طلبا أمريكيا حتى فيما يتعلق باختراق سيادته بطائرات من دون طيار أو بتنفيذ عمليات عسكرية أمريكية داخل أراضيه ضد عناصر القاعدة أو حينما طلب منه تخصيص قاعدة (العند) كمقر لنشاط قوة عسكرية أمريكية متخصصة في مكافحة الإرهاب حيث ومثل هذه الحيرة تبدو مشروعة لاسيما إذا ما كنا نتحدث عن بلد يختصر إشكالية منطقة المشرق ومحيطه القريب (الخليج العربي) على اعتبار أن هذه المنطقة هي من تحظى بموقع ومكانة لا يمكن التفريط بهما من زاوية المصلحة الأمريكية.
وإذا كان الأمر كذلك فالمستغرب هو إصرار واشنطن على سياسة (رفع اليد) عن اليمن بل إن تلكؤ الرئيس باراك أوباما عما يوصف بأخذ المبادرة والفعل لإيقاف حالة العنف الكارثي الذي يخرج يوما بعد يوم عن السيطرة وعلى النحو الذي ينذر بتدمير الدولة اليمنية واستنزاف كل المنطقة قد جعل ممن راهنوا كثيرا على الدور الأمريكي في الضغط على الأطراف المتناحرة إلى مراجعة مواقفه والعودة إلى الحلول السلمية يعودون للاسترشاد بما أسماه ذات يوم الرئيس أوباما (الخطأ الأمريكي الكبير في العراق) خصوصا وهم يجدون هذا الخطأ يتكرر في اليمن ولكن برؤية أشمل من مجرد الاقتطاعات الجزئية حسب الرغبات والعواطف.
بيد أن الخطأ الأمريكي في العراق والذي لم يقتصر على تدمير البلاد وسفك دماء البشر وإنما امتد إلى الضوء الأخضر الذي أعطي لصدام حسين لغزو الكويت ثم اتخاذ ذلك ذريعة لاحتلاله وإعادة تقسيم العراق على قاعدة مذهبية وطائفية تتهدد بتقسيمه إلى كنتونات متناحرة ربما لا يختلف كثيرا عما يحصل تماما على الساحة اليمنية فالمشهد يتكرر بذات السياق وبذات الوسائل إذا لا يمكن تصور تمدد جماعة الحوثي والسقوط الحر للعاصمة صنعاء وسقوط بقية المحافظات كأوراق الخريف بيد هذه الحركة قد تم دون ضوء اخضر أمريكي كما أن من الصعب أيضا تصور أن عملية (عاصفة الحزم) قد انطلقت من دون إذن العم سام ولذلك فإن ما يعتبره البعض ترددا أمريكيا حيال أحداث اليمن يصبح موقفا مقصودا لذاته فهو من جانب يساعد واشنطن على التملص من التزاماتها في اليمن كما يعينها على ابتزاز دول التحالف من خلال صفقات السلاح واستنزافها في حرب مفتوحة بغض النظر عن من سيخرج منتصرا أو خاسرا منها.
وحين ندقق بالتفاصيل نجد أن هناك من يتهم امريكا وعن وجه حق بأنها وراء ما حصل في اليمن ووراء الجحيم الراهن الذي يكتوي به اليمنيون فالإخفاقات التي توالت على اليمن منذ انتفاضة (الربيع اليمني) العام 2011 لم تكن بعيدة عن الأعين الأمريكية فقد كان السفير الأمريكي السابق جيرالد فاير ستاين يعرف ما يجري في اليمن وفي أية نقطة منه قبل الرئيس اليمني الانتقالي كما كانت السفارة الأمريكية حاضرة في كل الأحداث فقد كانت تدير حوارات طويلة مع جميع القوى وكانت على اطلاع تام بكل تناقضات الواقع بما في ذلك الخطوط الفاصلة بين مفاهيم الحرب والسلم وتشعبات السياسة الداخلية والخارجية اليمنية وعلى علم أيضا بكل التضاريس المتعرجة بما هو عسكري وما هو مدني حيث وقد كانت هناك اتفاقات أمنية تسمح للاستخبارات الأمريكية بحرية التصرف ومع ذلك فقد ظلت تعمل وفق مبدأ (فرق تسد) بما ترك اليمن فريسة للصراعات السياسية قبل أن تتحول تلك الصراعات إلى صراعات جهوية ومذهبية وجغرافية.
انصراف واشنطن عن مسؤولياتها في اليمن وتراجع اهتمامها عن الحرب المشتعلة في داخله وما يشهده من مظاهر العنف والصراع يشير إلى أحد أمرين: الأول إدراك واشنطن بخطورة الوضع في اليمن وأن هذه الدولة صارت أشبه بحالة ميؤوس منها بما يجعل منها تشكل تهديدا مزمنا على جوارها الخليجي أن لم تتحول إلى تهديد على المنطقة عموما ولذلك فقد لجأ الرئيس أوباما إلى نصيحة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين اولبرايت في كتابها (الجبروت والجبار) والتي دعته فيها إلى ترك العرب في صراعاتهم حتى ينضجوا وعدم التدخل في تراجيديا حروبهم المتهورة .. أما الثاني فانه الذي قد يختزل رغبة واشنطن في الإبقاء على الساحة اليمنية كساحة مضطربة حتى إذا ما قررت بعد عامين أو ثلاثة إعادة الاستقرار إلى العراق أو سوريا فإن هذه الساحة المضطربة ربما تصبح البديل الذي تتجمع ف

قد يعجبك ايضا