اليمن قديما وحديثا

لقد كانت اليمن منذ القدم موحدة بحدودها التاريخية المعروفة حيث ظلت موحدة لآلاف القرون وتخضع لدولة مركزية موحدة وحتى أن بعض الصراعات بين الدويلات والقبائل في بعض المراحل كان هدفها وحدة الشعب اليمني أرضا وثقافة وحضارة.
والسبب في ذلك هو أن اليمنيين جميعا كانوا ينظرون بعين واحدة إلى ماضيهم وحاضرهم وحضارتهم المادية واحدة وكان تاريخهم واحدا.
وإذ أخذنا مراحل التاريخ اليمني الثلاث نجد أن تاريخ اليمن القديم يمتد حوالي 1600 سنة ألف سنة منها قبل الميلاد وستمائة سنة منه بعد الميلاد.
فالتاريخ يظهر لنا أن هناك خمس دول عاصرت بعضها بعضا واستطاعت كل واحدة منها أن تسيطر على زاوية معينة في اليمن.
فمثلا حضرموت في الشرق إلى ظفار ومعين في الشمال حتى نجران وسبأ في شمال شرقي اليمن في منطقة الجوف ومأرب وقتبان وأوسان في الجنوب من اليمن.
ومع بداية القرن الميلادي الأول لم تعد هناك قتبان وأوسان ومعين بل أصبحت الساحة اليمنية مقسمة بين سبأ وحضرموت.
وهكذا تسير البلاد خطوة أخرى نحو توحيدها حتى وصلت إلى القرن الثالث بعد الميلاد لم تعد توجد إلا حكومة واحدة مركزية لعموم اليمن هي دولة سبأ وذو ريدان وحضرموت وتستمر على هذا الحال طيلة ثلاثمائة سنة حتى ظهور الإسلام.
ومن أهم الحقائق بوحدة الشعب اليمني أرضا وثقافة أنه كانت هناك لغة يمنية قديمة واحدة يتكلمها اليمنيون جميعا شمالا وجنوبا وكان نظام الحكم واحدا عند كل الدويلات اليمنية وكان يسمى نظام “المزاود” وهو يشبه نظام الشورى.
وقد  كانت الحضارة المادية واحدة عند كل اليمنيين وهي التي تميز أهل اليمن كشعب واحد لا كدول سياسية عن بقية شعوب الأرض.
وقد اشتهر قدامى اليمنيين في بناء السدود والمدرجات الزراعية وقنوات الري وكل تلك النشاطات كانت تغطي الأرضية اليمنية رغم وجود الوحدات السياسية المختلفة.
وكذلك المسائل الاقتصادية الأخرى والنشاط التجاري الذي كان يمارسه الشعب اليمني ففي وقت كان الميناء المزدهر هو عدن وفي وقت ثان كان ميناء “قنا” بير علي حاليا في محافظة شبوة وفي وقت آخر “موزع” وظاهرة ازدهار ميناء طبيعي واحد في وقت من الأوقات لكل عموم اليمن ستجده ظاهرة مستمرة في العصور الإسلامية والحديثة فالصعود والهبوط عبر ثلاث موانىء رئيسية هي عدن والشحر والمخا.
ومن العوامل الفاعلة في توحيد اليمنيين القدامى أنه عندما تعرض اليمن للغزو الروماني قبل الميلاد ثم الغزو الحبشي والفارسي بعده فإن هدف الغزاة لم يكن منصبا على مركز وعلى دولة واحدة من دويلاته إنما كان موجها ضد كل أرض اليمن وشعب اليمن الموحد.
وحتى في زمن العصور الإسلامية التي امتدت نحو 900 عام كانت اليمن تشكل في الثلاثمائة عام ولاية واحدة.
أما عن الوحدات الصغيرة الأخرى فكانت مشيخات في الأطراف والجبال ومساحتها صغيرة جدا بالمقارنة مع ما كان عليه الحال في بقية الدويلات المستقلة عن الإمبراطوارية الإسلامية فإن اليمن بقيت أكثر تماسكا عن غيرها وأهلها أكثر وحدة من غيرهم وحتى ملوك الزياديين والنجاحيين والصليحيين والمهديين والرسوليين والطاهريين كانوا يشنون الحروب العنيفة من أجل توحيد اليمن أو الجزء الأعظم منه وفعلا تحقق لهم ذلك.
وحتى في العصور الحديثة عندما حصل الغزو البرتغالي في مطلع القرن السادس عشر والغزو المملوكي والعثماني أن يسيطر على كل اليمن من عدن إلى صعدة ومن المخا إلى ظفار ويبقى اليمن موحدا تحت سلطة أجنبية واحدة حوالي مائة عام ثم ينتهي الاستعمار العثماني وتأتي بعده الدولة الزيدية على اليمن حتى منتصف القرن الثامن عشر ثم تبدأ بالظهور الإمارات والمشيخات في المناطق الجنوبية وتهامة والحجرية.
وهذا التفتت سببه تحلل السلطة الإمامية في صنعاء والصراع الدائر بين أفراد العائلة الإمامية الذين كانوا موزعين كأمراء على المناطق اليمنية وبدأ كل منهم يستقل بالإقطاعية التي كانت تحت تصرفه وهذا أدى إلى المطامع الخارجية لاحتلال أجزاء مختلفة من البلاد.
فبالإضافة إلى أن الدول الأوروبية كالهولنديين والفرنسيين والأمريكيين والإنجليز استطاعت السيطرة على التجارة اليمنية في المخا بالذات الميناء الطبيعي آنذاك وفي بقية المدن اليمنية الأخرى ثم جاء الغزو الوهابي ثم لحقه في المنتصف الأول من القرن التاسع عشر جيوش محمد علي باشا ثم جاء الاستعمار البريطاني حيث استطاع هو الآخر السيطرة على جنوب اليمن بدءا باحتلاله لمدينة عدن وهي الميناء لمحافظة لحج آنذاك في يناير 1839م الذي استمر حتى نوفمبر 1967م.
كما عاد التركي العثماني مرة أخرى لاحتلال شمال اليمن منذ عام 1872م وحتى 1918م وهكذا قسمت اليمن بين مستعمرين أجنبيين بقوة السلاح ومنذ ذلك العهد وبالذات من تاريخ توقيع اتفاقية الحدود بين المستعمرين التركي والإنجليزي عام 1914م.
ويمكن أن ترجع جذور انتظار الإقليم إلى شطرين حيث يستمر الوضع كما كان عليه في

قد يعجبك ايضا