مرفأ السلام في اليمن
بعد كل حالة اضطراب وقلاقل وتدافع يأتي السلام وبعد كل حالة سلام وسكينة وهدوء تنفجر الأحداث وتضطرب الأمواج ويتحرك الراكد وتسفك الدماء وتمور الأرض ولذلك يذهب فقهاء المذاهب إلى القول بطهارة الماء المتحرك ونجاسة الماء الراكد لتأسنه, فالحركة هي عملية ثورية تطهيرية تحدث في كل الحقب والعصور تدافعا ورفضا للتأسن والثبات والملل الذي يصيب الحيوات البشرية.
ومثلما أن السلام يأتي من الحرب.. فالحرب تأتي من السلام ذلك لأن أهم الأمور تأتي من عكسها بيد أن صورة السلام تختلف من حين إلى آخر فالسلام الذي كان يسود بلادنا قبل عام 2011م كان فترة كبت تتهيأ للانفجار لا فترة سلام لأن السلام الحقيق هو الرضى النفسي بما هو قائم أو الأمل بتحسينه بفعل العامل الزمني, لكن ذلك السلام كان بمثابة التجمع للانقضاض فهو حرب في النفس لا تنتظر إلا الميدان المدجج بالسلاح وقد كان ذلك الميدان وما يزال مستمرا إلى زمن العدوان السعودي الذي أهلك الحرث والنسل ودمر كل شيء في اليمن إذ إنه لم يبق ولم يذر وستكون للعدوان وظيفتان مزدوجتان ومتضادتان وهما السلام والحرب فالسلام هو مرفأ الأمان والاستقرار الذي سترسو سفينة اليمن عنده بعد كل هذا الإبحار في ظل العواصف والأنواء والأمواج المضطربة التي تقاذفت اليمن منذ 2011م وحتى 2015م وهي قد أخذت حظها من حركة التدافع والثورة والتطهير في البناءات المختلفة الاجتماعية والثقافية والسياسية والحرب هو البحر اللجي المتلاطم الذي ينتظر النظام السعودي الذي أخذ حظه من الاستقرار والهدوء والسكينة والثبات وقانون التدافع سيأخذه إلى مربعات الحركة بعد أن فسدت العلاقة بين المجتمع والسلطة وساهم العدوان في تعرية النظام وعمل على تفكيك بناءاته وأحدث خللا واضحا وشرخا بينا في جدار النظام العام والقانون الطبيعي وتكشفت حقيقة النظام وأدواته أمام العالم بعد أن عملت الإمبراطورية الإعلامية التي يديرها على تغطية الكثير من الحقائق وحاولت أن تبرز الوجه المشرق لآل سعود, ولكن عدالة السماء تأبى إلا أن تكون حاضرة كي تعيد ترتيب الأشياء وتعمل على إعادة صياغة مفردات العلاقة بين الله وبين بني البشر حتى يستقيم اعوجاج الحياة وتعود الطبائع البشرية إلى فطرتها السليمة وتخرج من توحشها البدوي الصحراوي الذي كان هو السائد في المشهد الدرامي الذي تشهده المنطقة العربية, لقد رأينا كيف مد الله آل سعود في طغيانهم و يعمهون لا يرون إلا التأله والتفرد والفرعنة وهي حالات متوحدة جامعها الأساس هو الكبر, والكبر من الصفات التي تتضاد مع قيم ومبادئ الحق والعدل والخير ومع تعاليم الله وسننه في كونه, وقد جاء في المرويات القدسية أن الله يقول: “الكبر ردائي من نازعني ردائي سلبته ثوب الوقار” ولا أرى آل سعود إلا وقد سلبهم الله ثوب وقارهم وأذلهم وحط من قدرهم وسنراهم غدا وقد صغروا وهانوا وذهبت مروءتهم وفسد حالهم وكذلك يفعل ربك بالقوم الظالمين المتكبرين على مر الأزمنة والعصور وما كان ربك بغافل عما يعمل الظالمون, وإن ظننا لهم الغلبة والقدرة المادية فالله في نصرته للمستضعفين لا يقيس الأمور بالمعايير المادية ولكنه يزنها بالقسطاس المبين وهو الحق العدل الحكيم الذي لا يظلم عباده المؤمنين به والمعتصمين بحبله المتين.
لم يعد السلام أمرا واردا في قابل الأيام في المملكة العربية السعودية ولا أظن أن مجد آل سعود سيبقى بنفس المعنى الذي عليه اليوم فالهويات التاريخية استيقطت في حائل وفي نجد وفي الحجاز وفي الشرقية وفي القطيف وفي عسير ونجران وجيزان بعد أن عرف المجتمع هناك حقيقة النظام وازدواجية تعامله ونظرته إلى عامة الناس ومستوى تعامله الأخلاقي والقيمى والإنساني مع الجغرافيا الوطنية ذات الهويات التاريخية المتعددة والثقافات المتعددة ومن البديهي القول: إن السعودية في صيغتها التي هي عليها تتضاد مع الهويات الحضارية للجغرافيا وحالة التفرد التي عليها من خلال الاستغراق والاحتواء للجغرافيا والاختزال ستكون سببا مباشرا في تقويض دعائم المملكة في قابل الأيام فآثار العدوان على اليمن لن تكون نتائجها إيجابية على النظام السعودي وإن توهم النظام السعودي ذلك وفي المقابل لن تكون كارثية على اليمن وإن توهم الكثير ذلك في اليمن من خلال المعيارية المادية التي تزن الأمور بموازين غير جوهرية وغير حقيقية ذلك أن حقائق الأمور في جوهرها وليس في مظاهرها الشكلية وهي في اليمن ليس في الأثر المادي المدمر ولا هي في المظاهر العامة بل هي في الأثر الوجداني والطاقات الانفعالية التي ستذهب إلى المستقبل بروح العمران والبناء وبقيم المحبة والسلام ذلك أن الحياة السعيدة تخرج من رحم الحروب.