أي جامعة عربية .. تأسيس بريطاني وهوى صهيوني
كما جرت العادة , فإن ما صدر عن ما يسمى الجامعة العربية من قرارات , لم تثلج الصدور الليبية , الغارقة في كل شبر من أراضيها ببحور الإرهاب والانفلات الأمني الكبير , إذ لطالما كانت هذه الجامعة الأساس والمولد لكل ذلك الخراب والدمار في ليبيا عندما شرعنت تدخل حلف النيتو وقدمته كمخلص ومدافع عن حقوق الليبيين , واللافت أن مؤسسة الجيش الليبي كانت قد أعلنت بالتزامن مع جلسة الجامعة عن مخطط تركي خليجي , لإذكاء النار في ليبيا وسفك المزيد من دماء أبنائها , لتغدو الدعوة لعقد جلسة طارئة للجامعة وحتى ما صدرعنها, بمثابة القشة التي يتعلق بها الغريق وبالتأكيد أنها لن تكون غير مؤهلة للإنقاذ فقط , بل دافعا أسودلمزيد من الغرق والتيه وتنامي الحالة المسلحة الهوجاء التي تحصد الأخضر واليابس , إذ لطالما أصبحت أدوار هذه الجامعة معراة بالكامل أمام أبناء المنطقة , وكيف كانت من العوامل الرئيسة لتمرير الأجندات الغربية والأهداف الصهيونية , التي لم تقتصر على الفترة التي روج فيها لما سمي بالربيع العربي وحسب , إنما منذ تأسيس هذه الجامعة وصولا لحالتها السياسية المتردية كماهي عليه اليوم, وكذلك فإن نيران تآمرها وحقدها لم تلفح الجغرافيا الليبية وحدها بل تعدته لتعميم المشروع الصهيو- أمريكي في المنطقة , كل المنطقة . المدقق والمتابع والباحث في جوهر الفكرة التأسيسية لما سمي جامعة الدول العربية في أربعينيات القرن الماضي , يدرك الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي صاغها الغرب الاستعماري وتحديدا البريطاني , لجهة النيل من وحدة القرار السياسي العربي , والعمل الحثيث على شرذمته وإضعافه , وتهميش دوره القومي , لما كان يحضر حينها لفلسطين العربية شعبا وأرضا , وهذا ما يمكن استقراؤه بصورة جلية عندما ألقى وزير الخارجية البريطانية آنذاك أنتوني إيدن وتحديدا في 29 أيار من العام 1941 إذ مضى يقول : « إ ن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن, وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية وكذلك الروابط السياسية أيضا, والحكومة البريطانية سوف تبذل تأييدها التام لأي خطة تلقى موافقة عامة «, وفي 24 شباط 1943 صرح إيدن في مجلس العموم البريطانى بأن الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية. في البداية ما يدحض المزاعم والأهداف البريطانية التي قدمها إيدن لجهة الحرص على وحدة العرب بكافة مستوياتها , أن بريطانيا لم تقدم أي نوع من الثناء والتقدير للعرب لجهة وقوفهم مع بريطانيا في الحرب العالمية الأولى التي أفضت إلى الإطاحة بالإمبراطورية العثمانية , بل شرعت قدما وعلى العكس تماما لتنفيذ وعودها التي قطعها بلفور لحاييم وايزمان الأستاذ الجامعي الصهيوني الذي أصبح فيما بعد أول رئيس للكيان الصهيوني والذي لعب دورا هاما في استصدار وعد بلفور عام 1917 الذي منح فلسطين كوطن قومي لليهود , من جهة أخرى ما شكلته اتفاقية سايكس بيكو في العام 1916من طعنة غادرة في الصدر العربي لجهة تقسيم المنطقة لدويلات ضعيفة تأسيسا لإكمال مشروع دولة إسرائيل والحفاظ على أمنها واستمراريتها. وخلال المسيرة السياسية للجامعة العربية , كانت محاولات مصر عبد الناصر مستمرة في ضبط الإيقاعات السياسية لهذه الجامعة , وتأطيرها في الأطر العروبية والقومية, لجهة منع أي انحرافات أو تحركات تضر بالمصلحة العربية , وكذلك كان دور الجمهورية العربية السورية متلازما مع التوجهات المصرية لإذكاء الدور القومي للجامعة , وتفعيلة بالصورة الأمثل وتحديدا في سبعينيات القرن الماضي بما يعزز زخم القضية الفلسطينية سياسيا وعسكريا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي , هذا النهج الذي دأبت ولاتزال عليه الدولة السورية بقيادة الرئيس الأسد الذي شكل علامة فارقة قولا وفعلا وحضورا مميزا في كافة مؤتمرات القمة العربية , لجهة الاستراتيجيات المطروحة, وبرامج العمل الفاعلة التي تؤسس لعمل عربي مشترك يستطيع أن يقف بقوة في وجه الغطرسة الصهيونية المتنامية , إضافة للسلوك السياسي الذي انتهجته سورية فيما بعد لجهة دعم المقاومة اللبنانية والذي شكل الأرضية الصلبة لصمودها وانتصارها في العام 2006 , وهذا ما شكل جوهر الحقد الخليجي على الدولة السورية ومن ينهج نهجها, إذ بات الأمراء والملوك الأعراب هم من يسيطرون على قرارات الجامعة العربية , ويجيرونها لصالح المشروع الصهيو- أمريكي , وهذا ما ظهر جليا في الأداء السياسي للجامعة خلال الفترة التي سميت زورا « ربيع اعربيا « , إذ فشلت فشلا ذريعا في ح