تحولات الجنرال
(السعوديون يكنون في قلوبهم حقد دفين على اليمنيين مابش عندهم صدق كلامهم رطب وفعلهم خبيث وقفوا ضد الثورة اليمنية 1962م من أول يوم لقيامها وزاد حقدهم على اليمن بعد تحقيق الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية جندوا العملاء والمرتزقة لمحاربة كل مقومات الدولة في الجمهورية اليمنية).
لعل الملاحظة الأولى التي تشير إليها هذه الكلمات هي أنها تتطابق مع واقع الحقيقة خارجها بغض النظر عن مؤلفها والسياقات الزمنية التي أنتجتها ومن الطبيعي أن يتبادر إلى ذهن القارئ في الوهلة الأولى أن صاحبها هو أحد القيادات اليمنية العسكرية أو الفكرية الذين يناهضون العدوان السعودي ويتصدون اليوم لمعركة الدفاع عن الوطن في لحظات انفعالية عصيبة شكلتها جرائم العدوان السعودي في 2015م.
الدهشة الصادمة هي أن يكتشف القارئ أن صاحب هذه الكلمات النارية التي تكشف الوجه المكشوف لمملكة الشر السعودية هو الجنرال علي محسن الأحمر وهي ضمن جمل وعبارات كثيرة مماثلة أطلقها الجنرال في محاضرته عن (طبيعة الصراع السعودي اليمني) التي ألقاها عام 1994م على مجموعة من الضباط اليمنيين وأعادت بثها قناة المسيرة في برنامج (الحقيقة لا غير) الذي يديره الأستاذ حميد رزق ولا شك أن كثيرا من الأسئلة تطرح نفسها عن الأسباب التي تقف وراء تحولات الجنرال من دائرة الوطنية ومحور اليمني الغيور على أهله ووطنه إلى دائرة العمالة والارتزاق ومحور الارتماء في أحضان العدوان السعودي من جهة وعن الموقف الحاقد للجار السعودي تجاه الشعب اليمني وبناء دولته ولماذا ازداد هذا الحقد ضراوة بعد قيام الوحدة اليمنية من جهة أخرى.
وبغض النظر عن دوافع الجنرال وأسباب تحولاته إلى حضن المملكة وآثار ذلك على نشوب حروب صعدة وتهديد السلم الاجتماعي في الداخل اليمني فإن الثابت الذي لم يتبدل أو يتغير هو موقف المملكة الحاقد تجاه اليمن وبناء دولته العادلة المستقلة.
لقد عملت المملكة بعد فشلها في إجهاض ثورة سبتمبر 1962م على خلق مراكز قوى نافذة في السلطة واستقطاب آلاف من مشائخ القبائل والسياسيين وعلماء دين وضباط الجيش بالمال السعودي وربط مصالحهم بالمملكة لتتمكن عبرهم من تقوية أجندتها في السيطرة على القرار اليمني وفرض الوصاية عليه والتخلص من قيادة البلاد إن حاولت الخروج عن الخط المرسوم لها تماما كما فعلت مع الشهيد الحمدي رحمة الله عليه .
لقد كانت الوحدة اليمنية هي الفرصة الذهبية ـــ لو أن اليمنيين أحسنوا التقدير وتخلوا عن الأطماع والأنانية ـــ لعبور الأنفاق المظلمة التي تحيل دون قيام الدولة اليمنية الحديثة وهذا ما يفسر اشتداد سعار المملكة ومضاعفة حقدها ولكننا للأسف ضيعنا هذه الفرصة انسياقا وراء الرغبة في الاستفراد بالسلطة وإقصاء الشركاء ولا شك أن المملكة قد لعبت دورا سلبيا في إذكاء الصراع بين اليمنيين وإمداد بعض أطرافه بالمال والسلاح.
وبعد اندلاع ثورة 2011م استطاعت أيادي المملكة في اليمن تحويل هتافات الشباب التي تنادي (الشعب يريد إسقاط النظام) إلى شعار (الشعب يريد إسقاط الرئيس) في مغالطة واضحة جندت لها المهرجين والخطباء والشعراء ومن خلال المبادرة الخليجية عملت على تدوير السلطة من صالح إلى محسن وآل الأحمر عن طريق حاملهم السياسي حزب التجمع اليمني للإصلاح واللقاء المشترك.
بعد 21سبتمبر من العام الماضي تأكدت السعودية أن القرار اليمني يسير نحو الاستقلال والتحرر من الوصاية فجن جنونها ولم تستوعب المتغيرات السياسية التي شهدتها الساحة اليمنية فأرادت فرض الوصاية عن طريق شن حرب عدوانية ظالمة على اليمن أرضا وإنسانا عمدت خلالها حقدها الدفين على اليمن وثبات موقفها المتقاطع مع بناء دولته المدنية الحديثة واستثمارها لخلافات اليمنيين في إضعاف اليمن وتحقيق الوصاية عليه تماما كما قال الجنرال قبل عشرين عاما أي يوم أن كان وطنيا.