أين ذهبت الحكمة اليمانية¿

د. عبدالعزيز المقالح
في القرآن الكريم ثمة آية تشير إلى أن من أوتي الحكمة فقد أوتي حظا عظيما. والحديث النبوي الشريف الذي يصف اليمني بالإيمان والحكمة مستقى من هذا النبراس ويعد وساما روحيا وأخلاقيا معلقا على صدور اليمن واليمنيين منذ قيل إلى يوم القيامة. لكن عندما تتأزم الأمور وتشتد الخلافات بين أبناء يمن الحكمة تبدأ التساؤلات ومنها على سبيل المثال لا الحصر: أين هي الحكمة اليمانية فيما يجري الآن¿ وهل هناك حكيم يقبل أن يضع نفسه والآخرين في مهب الرياح¿ وهل ضاعت كل الوسائل المؤدية إلى إطفاء حريق الخلافات في حينها ورفض الذهاب إلى المجهول¿ وهي تساؤلات لها ما يبررها ويدفع إلى إطلاقها بهذه الصيغة أو تلك. فقد رأينا جميعا بأعيننا وبقلوبنا كيف غابت الحكمة وعانينا جميعا وما نزال نعاني من هذا الغياب. وما تجدر الإشارة إليه هنا أن هذه التساؤلات لا تتردد على ألسنة اليمنيين وحدهم بل تتردد كذلك على ألسنة أشقائهم وأصدقائهم في المحيطين العربي والدولي ولا من جواب من المعنيين أنفسهم وهم ورثة الحكمة اليمانية.
وكم تمنيت وتمنى العقلاء في هذا البلد وغيره من الأقطار العربية أن يبرهن اليمنيون على استحقاقهم لوصف نبي الإسلام لهم بالإيمان والحكمة وألا يظهروا أمام العالم بهذه الصورة الخالية عن كل ما يربطهم بشيء من التعقل والتصرف المتوازن تجاه قضاياهم تلك التي كانت عادية جدا وتعقدت وخرجت عن إطار المنطق وعن نطاق وطن الحكمة.
شعوب كثيرة في هذا العالم الواسع يختلف أبناؤها ويتطاحنون فكريا وسياسيا ويختلفون في وجهات النظر تجاه كثير من القضايا المحلية والإقليمية والدولية ولكنهم لا يفتحون النار على أنفسهم ولا يأكلون بعضهم بعضا ومنها تلك الشعوب التي لا تخضع لعقيدة سمحاء تشكل المرجعية المتفق عليها من الجميع كما هو حال الأمة الإسلامية التي نحن جزء منها لكن واسفاه وواسفاه على الحكمة اليمانية التي تخلى عنها اليمنيون في لحظات عناد وكبرياء وغرور وشعور باللحظة التي دفعت الشيطان الرجيم إلى القول : أنا خير منه ….
وإذا كان البعض من المهتمين والمتابعين لواقعنا الفاجع قد بدأوا يرون أن لا جدوى من الحديث إلى هؤلاء الذين أضاعوا الحكمة واختاروا الطريق المعاكس لما تتطلبه الحال وما يتطلبه كذلك مستقبل الأجيال ويفرضه من احتكام إلى العقل والمنطق أقول إذا كان بعض ممن وصل بهم اليأس إلى الوقوف عند هذه النتيجة الـمرة فإن هناك عددا ممن لا يزالون يستشعرون بأنه مازال هناك متسع من الوقت لتصحيح الخطأ ومتسع من الوعي للاستجابة للحكمة التي لا يراد بها إلا وجه الله والوطن ولأن القوى المتصارعة من الأخوة الأعداء بدأت منذ وقت ليس بالقصير تشعر بأن عليها أن تطوي صفحة الحرب والاقتتال وتفتح صفحة العمل السياسي والتفاهم المثمر والبدء في وضع حد لسفك الدماء والتمادي في التدمير إلى ما لا نهاية. والمرعب أن الأبرياء هم ضحايا المعارك وهم وقودها وأن كل قطرة دم تراق تترك فجوة في تاريخ هذا الوطن وعلامة سوداء في مستقبله.
وأتوقف هنا لأقول بصريح العبارة: إن المنتصر الحقيقي هو ذلك الذي سيرمي السلاح جانبا ويتخلى عن شعارات الحرب. وأجزم أن الشعب ينتظر بفارغ الصبر لمن يعلن انتصاره على نفسه وعلى كبرياء القوة فأي قيمة للكبرياء عندما يتزايد عدد القتلى والجرحى من الأبرياء وعندما يشتد الدمار ويزحف بقسوة ووحشية على أجساد البيوت والأطفال. وإذا كانت الحكمة قد غابت في البداية وتغلب عليها الإحساس بالعناد والمكابرة فإنها قد تعود أقوى مما كانت عليه في لحظة الوضوح الصدق مع النفس.
تأملات شعرية :
لم أجد أمة
تستضيف الذئاب
إلى منـزل الأهل
في كرم فائض
غير أمتنا العربيةú .
لم أجد بشرا
يفتحون البلاد لأعدائهم
ويقودونهم لمخابئها
غير قوم بلا شرف
أو قضيةú.

قد يعجبك ايضا