إعلامي .. ” والله مالي علم ” ..!!
* أفضل ما أنتجته ثقافة العالم الملتبس لليمنيين تحديدا هي عبارة ” والله مالي علم ” التي يجري اختزالها في اللفظ اليمني الدارج ” مöدúري ” والبركة دائما في هذه الامبراطوريات الإعلامية التي عبثت بالعقول قبل القلوب وبالضمائر قبل الأفكار .
* وأن تكون منتميا إلى إحدى وسائل الإعلام فأنت محروم من نعمة الإجابة المختصرة ” مدري ” إذ كيف لا تدري بينما يفترض بك الانتماء إلى مطابخ الأخبار ويوميات الإعلام المفتوح .. وعفوا فلا مجال للهروب إلى قول حكيم ” من قال لا أدري فقد أفتى ” وإلا فستوصم إما بأنك جاهل أو ” غويط ” وخطير بل وأخطر من دبة الغاز وحينها قد تكون مضطرا لأن تقسم اليمين بأنك فقط أحد الهبلان .
* ورغم أن الحق أبلج والباطل لجلج فإن هناك عباقرة متخصصين في الدفع بالغالبية إلى منطقة عدم اليقين بعد أن ساد الفجور السياسي وحل الإنحطاط الأخلاقي وصار السياسي يتباهى عندما يقول ” لا ” وهو يقصد نعم .. ويقول ” نعم ” وهو يقصد لا أو يقولهما معا تاركا العامة وبعض الخاصة غارقين في شبر من الماء .
* الكارثة أنه صار في العالم متخصصون بالكذب والدجل إما بعيون حمراء أو بملامح مقتطعة من براءة الأطفال ويخلطون الأوراق فإذا انكشفوا على النطاق النخبوي الضيق استعانوا بموروث سياسي يتصدره القول الانتهازي البرجماتي الفاجر ” إذا قبضوا عليك وأنت تمارس الأخلاق فأعلم بأنك لم تعد سياسيا ” .
* وتتعدد فقاسات الكذب والفجور في المجتمعات .. لا فرق بين المتقدم والمتخلف إلا بمستوى الحبكة وأدوات الانتشار .. ودائما ابحث عن المصلحة أو الحريات أو درجة حرارة النفاق الذي وصل بدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرها من أنظمة العالم الأول درجة استخدام المعرفة للسيطرة والقمع العالمي وخلق الأنظمة الديكتاتورية للحيلولة دون ترويج هذه المعرفة في دكتاتوريات والفوضويات الديمقراطية للعالم النائم .
* كصحفي كيف تشوف الأمور ¿ وممنوع عليك القول ” مدري ” رغم أنك بالفعل في مربع مدري ولا تتذكر إلا أن الناس في اليمن كانوا يغنون ” يا سماوات بلادي .. ولن ترى الدنيا على أرضي وصيا ” فإذا بشركاء الجلدة يستدعون الاستباحة للسماء والبحر وأخيرا الأرض ويزعمون امتلاك الحق والحقيقة .
* عالميا كل من يرفع شعار الديمقراطية إنما يقصد الديمقراطية في عالمه الخاص لكنه جاهز لرفع أي شعار آخر وأنظروا إلى عدد الجهات التي تسوق للديمقراطية لكنها تسعى لفرض الديكتاتوريات مادامت تضمن المصالح ولا تسألوا عن الإعلام الحر فحسب خبير غربي في السياسة والإعلام قد لا يستلم الصحفي البريطاني الرشوة لكنه يعمل أخطر مما يمكن أن يعمله لو تسلمها .. أما أنت فإن مبتدأ الأحداث وجوابها لا يقودك إلا إلى القول والله مالي علم .. يعني ” مدري ” .
* والحكاية على أي حال تتصل بكون الاعلاميين اليمنيين منذ عقود طويلة وجدوا من يشغلهم عن الحقيقة بمطاردة لقمة العيش فضلا عن ثقافة تغييب المعلومة وتركها للتشويش والتضليل ثم الشكوى من أنه لا يقول الحقيقة أو أنه من حزب ” مدري ” .. وما زاد الطين بلة هي عقدة السؤال .. أي أهمية لتوقيع ميثاق للشرف إذا كان صاحب التوقيع بلا شرف , فالشرف كما هو معلوم يسبق أي حديث عن الميثاق .
* وقاتل الله الذين أدمنوا عقوق الأوطان وكرسوا في الأذهان مفردات الخوف والنفاق والرياء التي فرضت هذه المراوحة الحادة بين اللجوء إلى الصمت أو مواكبة الزيف هنا أو هناك أو استدعاء الجواب البائس ” والله مالي علم ” .
* ويبدو أن لنا تاريخا هروبيا يعطي الأولوية للقول .. كيف دخلت الطاولة من هذا الباب الضيق أو كيف واصل الباص سيره إلى صنعاء بعد أن تعرض ركابه للقتل وما إلى ذلك من الأمور التي تهتم بالهامش ولا تجيب على السؤال الأهم لماذا الخرس أو لماذا قتل الأبرياء ¿ يبدو أيضا أن للأمر علاقة وامتداد بالظروف التي جعلت أحد أعيان صنعاء وأحدهم يسأله عن رأيه في الثورة وفي الملكية فهرب إلى القول : أنا مستغرب ليش كوفية السلال طويلة مثل السفينة وليست مستديرة مثل بقية الكوافي !
* أما آخر ما تلقيته من الأسئلة قبل أن أكتب يوميات هذا الأثنين فهو سؤال أحد الزملاء : لماذا تكتب بشرى المقطري عن الإصلاح وكأنها حوثية فيما تكتب رضية المتوكل عن أنصار الله وكأنها إخوان مسلمين ¿
وكالعادة لم أجد غير القول .. مدري ..!!