المشروع الاستعماري البريطاني وبقاؤه بالمملكة(1-2)
عبدالرحمن مراد
تقول الحقائق التاريخية إن الدولة السعودية في صيغتها الحالية هي صناعة بريطانية بامتياز وقد جاءت هذه الدولة من فراغ تأريخي وفراغ حضاري ولذلك شعرت بفقدان الهوية لكونها قامت على أنقاض هويات سياسية متعددة فقد عملت على تهجير الهاشميين من مكة وآل الرشيد من حايل وامتدادات نجد التاريخية وآل الشريف والأدارسة وبعض رموز يام من امتداد اليمن التأريخي في إقليم عسير ونجران وقد كانت تلك الهويات تشكل امتدادا متجذرا حضاريا وتاريخيا في المكان وهي بذلك قد تهدد ذلك الكيان الذي بدأ يترعرع في أحضان بريطانيا كقوة استعمارية قادرة على صناعة الحلم القادم من الدونمة وأطراف الدرعية ليصبح مجدا ممتدا وثابتا لا يهدده إلا استقرار اليمن أمنيا واستقلاله اقتصاديا وهي تلك الحقيقة التي قالها البريطانيون للابن البار والملك القادم عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وأصبحت مثل بروتوكولات صهيون يتداولها الخلف عن السلف.
لقد كان البريطانيون يدركون تمام الإدراك أن وجودهم في شبه جزيرة العرب لن يتحقق إلا بصناعة كيان يقوم على أنقاض كيانات وهويات متعددة ليشعر بحاجته الدائمة إليهم كقيمة تعويضية تملأ الفراغ الناشئ من العمق الوجداني والحضاري والتاريخي وحتى يكون سورا فاصلا بين الحضارات والهويات التاريخية خوفا من تجاذباتها وعلائقها التي قد تكون ضد مصالحها الاستراتيجية لذلك جاءت السعودية أشبه بجدار عازل بين البابليين والآشوريين وبلاد ما بين النهرين وفارس وبين العربية السعيدة من سبأ وحمير ومعين وتلك الرؤية هي ذاتها التي كانت وراء وقوف بريطانيا مع إسرائيل وزراعتها في قلب الأمة حتى تمنع التجاذبات الحضارية والتاريخية بين الفرعونية والكنعانية وامتداداتهما وبذلك قد تصبح المصالح الاستعمارية هي شوكة الميزان التي تقف في منتصف كفتي المعادلة التاريخية والحضارية وتقضي إلى حفظ التوازنات والتفاعلات والسيطرة عليها بما يحفظ ويحقق المصالح الاستعمارية ومثل ذلك يمكن قراءته من موقف الأسرة الحاكمة في السعودية من حماس في حربها الأخيرة مع اسرائيل ومن قبل ذلك موقفها من “حزب الله” اللبناني في حربه مع اسرائيل.
هذان الموقفان يكشفان الغطاء الذي تستر به الأسرة الحاكمة في المملكة نفسها والقائم على دعائم ومرتكزات الأيديولوجية العقائدية السلفية فقد دلت المواقف السياسية أن الدين وسيلة الغاية منه التبرير وتوحيد الجبهة الوطنية باعتبار الخروج على الحاكم معصية تجلب المفاسد وتشق عصا الأمة .. وبذلك تصبح الغاية من الدين إطالة الأمد في الحكم وطول الأمد في ذاته مفسدة لكثير من القيم الإنسانية والأخلاق النبيلة التي قال بها الإسلام أو توارثها العرب كابرا عن كابر وهذا ما تفسره الممارسات اللا إنسانية واللا أخلاقية واللا دينية التي تقوم بها السلطات الأمنية السعودية في الحدود الشمالية لليمن والأدهى أن قسوة القلوب وصلت إلى الحد الذي أحرقت العشرات في مقلب القمامة بجيزان أو القيام بانتهاك آدمية الإنسان سواء بالضرب أو بالأساليب اللا أخلاقية أو بالموت جوعا وعطشا تحت حر الهاجرة ويحدث ذلك مع الجيران من اليمن أو مع أولئك القادمين من القرن الافريقي هربا من الجوع إلى الموت على حدود اليمن مع السعودية.
كل تلك الأعمال تجعل النظام السعودي خارج دائرة الإيدلوجيا الدينية ودلت حادثة الطرود أن القاعدة منظومة دينية توظفها الأجهزة الأمنية العالمية عن طريق جهاز المخابرات السعودي للقيام بالأدوار التي تبرر التواجد الأمني والعسكري حفظا لدوام المصالح ومثل ذلك دور تاريخي ظل النظام السعودي يقوم به منذ بداية تأسيس الدولة السعودية الحديثة وبالتحالف مع المستعمر البريطاني آنذاك وهو ذات الدور الذي يقوم به الآن وهذا سر من أسرار طول الأمد لآل سعود في الحكم وبنظام لا يتوافق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود الدولية الملحقة به مع أن جل الأنظمة المشابهة للنظام السعودي تعرضت للاستهداف الدولي بحجة عدم مواكبتها للعهود والمواثيق الدولية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان و..و… وغير ذلك من المبررات التي يخلقها العقل الدولي وظل النظام السعودي بعيدا عنها حتى اللحظة.
ولعل المتابع الحصيف يدرك أن ثمة إمبراطورية إعلامية تدير مشروعا ثقافيا يتنافى أو يتعارض مع الاتجاه العقائدي الذي ترتكز عليه المملكة وهو ما يجعلها أمام ثنائية التسلط بالمشروع العقائدي والخضوع لأجندة دولية لتمرير مشاريع استعمارية والتهيئة لها عبر منظومتها الإعلامية المنتشرة حول العالم والتي ما فتئت تبرر جل أعمالها التي قد تكون في الغالب بعيدة عن الهم العربي المشترك وتسعى أو تهدف إلى تدمير منظومة القيم العربية.