خواطر رمضانية – (14)…ملحمة عمر وكنوز باكثير
قبل نحو ثلث قرن عكفت على قراءة “ملحمة عمر” للمبدع والمفكر اليماني العظيم الأستاذ علي أحمد باكثير رحمه الله تلك الملحمة التي كتبها على شكل مسرحية في تسعة عشر جزءا استقصى فيها سيرة الفاروق العظيم من كل نواحيها ومن أدق وأثرى مصادرها وبلغة جزلة وبعرض شيق رائع قضى في هذا العمل عامين كاملين بتفرغ كامل.
ترفده ثقافته العربية العميقة وثقافته الإسلامية النقية واطلاعه على الثقافات الأجنبية وتواريخ الأمم فقد كان يجيد الفرنسية والإنجليزية وترجم لأول مرة مسرحية روميو وجوليي إلى العربية بأسلوب الشعر الحديث حيث يعتبر من رواده.
وأحسب أن من يقرأ “ملحمة عمر” يتطهر بقراءتها روحا وعقلا ويحس أنه بعد قراءتها غيره قبل قراءتها ولا يستطيع أن يصف مشاعر الأنس والروحانية التي تصاحب قراءته لهذه الملحمة وحالات التأثر التي لا يمتلك معها الإنسان عواطفه عن البكاء والنحيب أحيانا.
علي أحمد باكثير أغنى المكتبة العربية والإسلامية بالكثير من القصص والروايات والمسرحيات الطويلة والقصيرة وما من مصنف من مصنفاته إلا يشد الإنسان إليه.
رواية “واإسلاماه” هي أشهر رواياته التي مثلت سينمائيا وقررت على المدارس لكن المؤسف أن كتبه ومصنفاته ليست متيسرة لكل طالب خصوصا في اليمن والسبب أن إحدى دور النشر المصرية كما يقال وقعت على عقد مع المرحوم على احتكار إصدار كل مؤلفاته ولايزال هذا العقد ساريا ولكن لا هذه المكتبة وفرت هذه الكنوز لطالبيها في السوق العربية وخصوصا اليمن ولا قامت وزارة الثقافة اليمنية وهيئة الكتاب بتعويضها لكي تستطيع الهيئة بعدها طباعة هذه الكنوز وتوفيرها للقارئ العربي واليمني على وجه الخصوص وهو المأمول من وزارة الثقافة وهيئة الكتاب.
باكثير فكر بإخراج الملحمة للناس كمسرحية فتعذر ذلك لأن عرضها سيحتاج ليالي طوال ففكر بإخراجها على شكل مسلسل تلفزيوني يجوب مشارق الأرض ومغاربها ويقدم للناس نموذج الحكم الإسلامي الرشيد الفريد فاصطدم باعتراض الأزهر على تمثيل شخصية عمر وقد انتقد باكثير تناقض موقف الأزهر الذي يجيز تمثيل بعض الصحابة ولا يجيز تمثيل آخرين ورأى أنه إن كان هناك موقف فيجب أن يكون شاملا أما إجازة تمثيل سيدنا أبي عبيدة بن الجراح مثلا وهو الذي لا يقل ورعا وأسبقية في الإسلام عن سيدنا عمر وعدم تجويز تمثيل شخصية عمر فذلك موقف رآه باكثير متناقضا وغير عادل.
قبل أعوام ظهر مسلسل عمر الذي حلم به باكثير بعد أن خرج الأزهر عن اعتراضه السابق.