لحظة يا زمن..المسافر

محمد المساح
يعبر المسافر المسافات والأصقاع الوجوه والذكريات يتطلع إلى الحقول الشاسعة والغيوم الركامية تتطاير كالدخان في الحقول والصحاري من نافذة قطار أو طيارة أو باخرة تمحر المحيطات المشاهد والصور والذكريات تتداخل وتتقاطع أحيانا في رأس “هدفها محو المكان” ونزوعها الغياب.
ليس ثمة من وقت طويل مثلما هو في العهود الغاربة يسفح فيه المسافر دموعه على الأحبة والأطلال سرعة النقل والعصر تخطفه لكنه لا بد ينزف في الداخل بصمت.
وحين تتوارى بلاد عزيزة أو ذكرى يحس أن ثمة شيئا اقتطع من جسده من روحه المقذوفة في رحيل لا ينتهي رحيل معذب لكنه لا يقر بذلك فالأكثر عذابا لديه وفداحة هو ما يدعوه بالاستقرار البليد.
حركة المسافر ووعيه بالحياة يختلف بالضرورة عن الآخرين وعي المسافر وأحساسه مثل ذلك الإحساس الذي ينتاب الجندي الذاهب إلى المعركة فيه الكثير من التسامح وإنعدام المصلحة كغاية والتخطيط المسبق لحركة العلاقات ووجهتها سواء العلاقات المكانية أو البشرية.
ليس للمسافر أو المترحل من علاقات قارة دوران في الأرض ودوران في الأعماق تترسب العلاقات الحميمة والعواطف فيها وتبنى مضارب حنينها لكنه يظل نهبا لهذا الدوار الأفقي الذي تتقاذفه أمواجه من غير رحمة لكن بعذوبة وجمال فريد.
العذوبة هنا تتوحد مع توأمها الاشتقاقي العذاب ـ الجما المؤلم الحزين.
يحاول المسافر في ليل العالم التوحد بذاته بما يظن أنه صلب وحقيقي في حياته كي يسند روحه ولا يتكئ إلى حائط الهباء المطلق.
إنه يشبه الحاج أو البحار فعلا لكن هذين الآخيرين يستندان إلى مثل وقناعات ثابته وهو في حالة أقرب إلى البحث عن حقيقة غامضة أو معجزة مستحيلة الحدوث وهو يدرك ذلك ورغم ذلك الإدراك الأليم يواصل سيره وهروبه من أشباح غامضة إلى أفق أكثر غموضا لكنه أكثر تفتحا على عوالمه الداخلية وما نظن أنه الخير والحق والجمال.
هذه المفاهيم التي في غيابها يكمن الشغف بها وينفجر من هذا الغياب مناضلون أشاوس تخلدهم الكتب والتاريخ ينفجر مترحلون في ليل الفكر ومسافرون لا ينظرون إلا الأحذية والطرقات.
جدل الأحذية والطرقات جدل معقد لا يعرفه إلا من قدج زناد المسافة وخبر الترحل والفراق في وحشة الليالي والناس نيام.
“سيف الرحبي ـ مجلة نزوى”

قد يعجبك ايضا