مقدمات الانهيار

لا شك أن التغييرات التي شهدتها السعودية مؤخرا داخل الأسرة الحاكمة تحمل عدة مؤشرات تتعلق جميعها بمستقبل دول الخليج بشكل عام والرياض على وجه التحديد حيث إن هذه التغييرات لم تتم بالشكل المتعارف عليه داخل الممالك الخليجية الحاكمة بل كانت قرارات سريعة مفاجئة حتى وإن كانت متوقعة من قبل.
في حقيقة الأمر فإنه منذ رحيل العاهل السعودي “عبدالله بن عبدالعزيز” وتولي “سلمان” حكم البلاد تسير الرياض نحو منحدر السقوط والانهيار بخطوات متسارعة لاسيما أن الخلافات داخل الأسرة الحاكمة بدأت تأخذ طابعا مختلفا فضلا عن تزايد حدة هذه الخلافات خلال الشهور القليلة الماضية التي أعقبت وفاة “عبدالله” ولعل هذا ما يفسر تسارع وتيرة الأحداث والاضطرابات المتلاحقة داخل البيت الحاكم بالرياض.
الانقلاب الذي لم تكتمل ملامحه حتى الآن داخل الرياض كان سيتم بصورة أكثر شراسة لولا وفاة الملك الراحل “عبد الله” التي سهلت الطريق كثيرا وجعلت الانقلاب يبدو وكأنه تغيير في مناصب الحكم لكن الصراعات التي ظهرت مع هذا التغيير داخل الأسرة الحاكمة تهدد بقاء عرش آل سعود ومكانة الرياض كواحدة من أبرز دول مجلس التعاون الخليجي كما أنه سيجعلها تفقد نفوذها الإقليمي داخل منطقة الشرق الأوسط وسيؤدي إلى تراجع الدور الذي تلعبه بالمنطقة أيضا.
الأيام القليلة الماضية وتحديدا مع صدور قرار دمج ديوان ولي العهد مع الديوان الملكي السعودي كشفت عن نوايا وأهداف العاهل الجديد “سلمان” الذي يحلم بوصول ابنه “محمد بن سلمان” إلى سدة الحكم وهو حلم لن يتحقق بهذه الدرجة من السلاسة التي تبدو لـ”سلمان” فعلى الرغم من نجاح العاهل السعودي في تصعيد ابنه “محمد” داخل الأسرة الحاكمة حتى أضحى وليا لولي العهد إلا أن الخطوة القادمة سوف تؤدي إلى إشعال فتيل الخلافات الطاحنة داخل القصر الملكي خاصة أن “محمد بن نايف” المقرب من الإدارة الأمريكية يشغل منصب ولي العهد حاليا الأمر الذي يعني أن إزاحته عن هرم السلطة مهمة شاقة إلى حد ما.
الواقع الراهن يؤكد أن الإطاحات المتكررة التي حدثت داخل القصر الملكي خلال الأيام الماضية منذ وفاة الملك “عبد الله” لن تمر هكذا دون وقوع ردة فعل على هذه القرارات لاسيما وأن الشخصيات التي تم إبعادها من القصر الملكي أو تهميشها في دوائر الحكم منذ وفاة “عبد الله” وحتى الأيام القريبة الماضية ذات ثقل ولن تقبل بما حدث معها دون تحريك ساكن أو اتخاذ ردة فعل حيال ما حدث.
وعلى ضوء كل ما سبق من تغييرات واضطرابات شهدها القصر الملكي بالسعودية فإن الفترة المقبلة ستشهد مزيدا من التوترات والخلافات داخل الرياض ودوائر الحكم هناك حيث ستطفو هذه الخلافات إلى السطح ولن تبقى محصورة في القصر الملكي فقط وهو أمر سيؤدي بدون شك إلى اختلال نفوذ الرياض ومكانتها بين موازين القوى الإقليمية فضلا عن أنه سوف يحد من تدخلات السعودية في أزمات منطقة الشرق الأوسط.
دماء الأبرياء التي سقطت في العديد من البلدان العربية نتيجة التدخلات والمراهنات السعودية من اليمن إلى سوريا والعراق مرورا بلبنان لن تذهب هباء منثورا ولابد أنها سترتد على القصر الملكي والواقع الداخلي في السعودية بشكل عام أضف إلى هذا تراجع مكانة الرياض في الساحة الدولية خاصة في ظل المفاوضات الجارية بين إيران والدول الست الكبرى حول برنامج طهران النووي وما سينتج عنها عقب اكتمال الاتفاق النهائي الأمر الذي سيعيد رسم الخريطة الاستراتيجية بالمنطقة مجددا.
* صحيفة البديل المصرية

قد يعجبك ايضا