صنعاء تحت القصف
منذ بداية العدوان الإجرامي العشوائي على بلادنا وأيدينا على قلوبنا خوفا على مواطنينا أولا وخوفا على المعالم الأثرية ثانيا. وفي مقدمة هذه المعالم مدينة صنعاء والجزء القديم منها خاصة فهذه المدينة التاريخية ليست مدينة فحسب وإنما هي تحفة أثرية نادرة يرجع تاريخ بعض البيوت فيها إلى ما قبل ألف عام وتتميز – كما يقول زوارها العرب والأجانب- بطابعها المعماري الهندسي عديم المثال وكان هذا المعمار وما يزال مبعثا للدهشة والإعجاب لدى كل من يدخل إليها. ومصدر الخوف على هذه التحفة التاريخية الخالدة يأتي من القصف العشوائي الذي ينصب فوق العاصمة على مدار الساعة وما يتركه من اهتزاز وخلخلة في كثير من منازل العاصمة ومنازل صنعاء القديمة على وجه الخصوص نظرا لقدمها ولأن تلك المنازل قد بنيت بالأسلوب التقليدي القائم على الأحجار والآجر والطين والأخشاب وليس بالأسمنت المسلح أو ما في مستواه.
وبالمناسبة كان قد صدر قرار جمهوري منذ أربعة أو خمسة عقود يمنع كل أنواع السيارات من الدخول إلى الأحياء القديمة في صنعاء لما تحدثه أصواتها وحركتها من خلخلة للمباني ومن مضايقة لسكانها وزائريها في المرور بالشوارع والأزقة الضيقة وكثيرة هي المنازل والمتاجر التي تعرضت خلال العدوان المستمر وحتى في المناطق الجديدة من العاصمة على وجه الخصوص للتدمير وتكسير زجاج النوافذ والعقود الملونة ومعنى ذلك أن منازل صنعاء القديمة ستكون أكثر تعرضا للتهدم والاندثار إذا لم يتوقف العدوان ويمتنع قادته من استخدام القذائف والصواريخ المحرمة في الحروب وهو ما سوف يعرضهم آجلا أو عاجلا للمساءلة دوليا وإنسانيا وقد زاد إحساس الجميع بالخطر على صنعاء القديمة وتضاعف في الأيام الأخيرة وزاد شعور سكانها الصامدين لما يترتب على هذا العدوان من تدمير وشيك لمدينتهم التي واجهت المتغيرات المختلفة عبر العصور.
ويمكن القول – في هذا الصدد- أن كل شيء بعد أن تنقشع سحب العدوان السوداء قابل للتعويض وللترميم إلا المواقع والمدن الأثرية وفي طليعتها صنعاء الأكثر عراقة وتميزا وأي مساس بها أو تدمير لمعالمها من شأنه أن يؤلب العالم أجمع على المعتدين الذين لا يفرقون في عدوانهم بين البشر والشجر بين ما يسمونه بالمواقع العسكرية وتلك المواقع التي تحمل عبق التاريخ وحكاياته الضاربة في أعماق الزمان. وزيارة واحدة لحارة من حارات صنعاء القديمة تجعلك تنسى في أي عصر تعيش وفي أي مرحلة من مراحل التاريخ البشري القديم تتحرك. وهذه الإشارة تذكرني بجولة لا تنسى قطعناها مشيا بالأقدام في أحياء صنعاء القديمة -الكاتب الكبير رجاء النقاش وأنا- كنا نمشي على مهلنا والصديق رجاء لا يكف عن التلفت والتوقف عند كل منعطف وتجاه كل المباني التي يراها الأقدم ويكاد يقرأ على واجهاتها صورا وحكايات من آثار الزمن القديم وعلاماته الثابتة في الحجارة والآجر ومقابض الأبواب.
لقد بدأت أصوات الاحتجاج والاستنكار في وجه العدوان منذ اليوم الأول أو بالأحرى منذ الساعات الأولى خصوصا والضربات العشوائية كانت تطال كل شيء دون تمييز أو هدف واضح وستدخل في قائمة الجرائم العظمى أي ضربة من شأنها تحويل صنعاء إلى أطلال والعدوان لن يكون عدوانا على هذه المدينة ولا على أهلها وإنما اليمن جميعا وإنما هو عدوان على العرب والمسلمين وعلى العالم أجمع وعدوان على التاريخ والماضي والحاضر. والمؤسف والجارح أن يأتي بالعدوان من حيث لم يكن متوقعا ولأنه لم يعد في أيدينا من الأمر سوى أن نقول لهؤلاء الذين خالفوا طبيعة التصورات والوقائع والاحتمالات: لقد تجاوز فعلكم العدواني كل حساب وتقدير وأخشى ما نخشاه أن تتحول صنعاء أقدم مدينة عربية في التاريخ إلى أطلال ويصبح ذلك الفعل الشنيع أكبر مما تتحمله مسؤوليتكم مجتمعين ومنفردين.
الشاعر محمد عبده شجاع في ديوانه الأول:
عنوان الديوان “جرحا توقد كي ينفي شكل موته” وأعترف بداية أنه أدهشني وأثار مكامن إعجابي وأكد لي أنني إزاء شاعر يبدأ من حيث انتهى الآخرون ويكتب بلغة جديدة وبأسلوب يجمع بين السرد والإفضاء الذاتي الحر. الديوان من منشورات آفاق عربية بالقاهرة ويقع في 152 صفحة من القطع الصغير.?
تأملات شعرية:
لست وحدي الذي يتماهى
بها
كل أبنائها من شمال الشمال
وحتى جنوب الجنوب
تماهوا بها
غرقوا في هواها
الحبيبة صنعاء
أم القرى في بلادي
وأم المدن!